وعامة دور دمشق إلا القليل ، وهرب الناس إلى الميادين ، وسقط من الجامع ست عشرة شرفة ، وتشققت قبة النسر ، وخسف بالكلاسة ، وتهدمت بانياس ، وهونين وتبنين وخرج قوم من بعلبك يجنون الريباس من جبل لبنان ، فالتقى عليهم الجبلان ، وماتوا بأسرهم.
وتهدمت قلعة بعلبك مع عظم حجارتها ، ووثيق عمارتها ، وامتدت إلى : حمص ، وحماة ، وحلب ، والعواصم ، وقطعت البحر إلى قبرس ، وانفرق البحر فصار أطوادا ، وقذف بالمراكب إلى الساحل ، فتكسرت ، ثم امتدت إلى خلاط ، وأرمينية ، وآذربيجان ، والجزيرة ، وأحصي من هلك في هذه السنة على وجه التقريب فكان ألف ألف انسان ، ومائة ألف انسان ، وكان قوة الزلزلة في مبدأ الأمر بمقدار ما يقرأ الانسان سورة الكهف ، ثم دامت بعد ذلك أياما.
فقال بعض البلغاء : أما بعد ، فإنه لما حدث بملك الشام حادث الزلازل ، ووجد في أكثرها أعظم البلايا والبلابل ، حتى طمت الأرض من أرض الجزيرة إلى بلاد الساحل ، وهدمت الحصون والمعاقل ، وأخربت ما لا يحصى من الدور والمنازل ، وسوت الأعالي من البنيان بالأسافل ، وأوحشت من أهلها المجالس ، والمحافل ، وشدخت كثيرا من الهام بالجنادل ، وفصلت من الأعضاء والمفاصل ، وأبانت من الأقدام والأكف والأنامل ، وأدبر القطان من الأوطان إدبار النعام الجافل ، وخلا كثير من السكان في الموارد والمناهل ، وكثرت في الدنيا اليتامى والأرامل ، وأرمضت قلوب الفاقدات ، وأرمضت عيون الثواكل ، وأخمصت كثيرا من أجنة الحوامل ، ووضعت الطيور لهولها في الحواصل.
فكان ما حدث منها عبرة للبيب العاقل ، وحسرة على المصر الغافل ، وتنبيها على اخلاص التوبة المتغافل ، وإزعاجا للمتباطىء عن الطاعة والمتثاقل ، وما ظلم الله عباده بإهلاك النسل والناسل ، ولكنهم لما تعاموا عن الحق ، وتمادوا في الباطل وأضاعوا الصلوات ، وعكفوا على