السنة السادسة والتسعون وخمسمائة
وفيها كان ابتداء جلوسي عند قبر الإمام أحمد بن حنبل في يوم الأربعاء ، ويجتمع خلق عظيم وتهب في تلك المجالس من القبول نسيم ويعرف فيها نضرة النعيم ويصحبها كل ما رد من طيب وكل كريم بكل تكريم (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)(١).
ودخلت هذه السنة والحصار ، وكان أتابك أرسلان شاه الموصلي قد رحّل الملك الكامل من ماردين ، فقدم دمشق ومعه خلق كثير من التركمان وعسكر الرها وحران فتأخر الأفضل بالعساكر إلى عقبة شيحورا سابع عشر صفر ، ووصل الكامل تاسع عشر صفر ، ونزل بجوسق أبيه على الشرف ، ودخل الأفضل إلى مرج صفر ، ورحل الظاهر إلى حلب وأحرقوا ما عجزوا عن حمله ، وسار الأفضل إلى مصر ، وأحضر العادل بني الحنبلي : الناصح ، وأخاه شمس الدين ، وغيرهما وكان الأفضل قد وعد الناصح بقضاء دمشق ، والشهاب بالحسبة ، فقال لهم العادل : ما الذي دعاكم إلى كسر باب الفراديس ومظاهرة أعدائي علي ، وسفك دمي ، فقال له الناصح : أخطأنا وما ثم إلا عفو السلطان ، فقال العادل : فما بدا مني إليكم ما يوجب ذلك ، ولو لا أن يقال عني أني شنقت فقهاء ما أبقيت منكم أحدا ولكن البلد لكم هبوه لي ، فأخرجهم إلى حلب.
وجرت بعد هذا واقعة عظيمة شفع في الشهاب الحنبلي إلى العادل فرده ، وكان يذكر الدرس في حلقة الحنابلة ، ويأخذ مغل الوقف ، وكان في الحنابلة رجل مصري يقال له نصر يخدم الشيخ العماد ، فأقام الشهاب سنين لا يعطيهم شيئا ، فنهضوا واستغاثوا إلى العادل وهو في دار العدل ، وكان الملك الأشرف ، والمعظم ، وأولاد العادل وقوفا في الخدمة ، فقال
__________________
(١) ـ سورة ياسين ـ الآية : ٥٨.