أنك أمير الملة الحنيفية ، كما أنا أمير الملة النصرانية ، وغير خاف عنك ما عليه نوابك بالأندلس من التخاذل ، والتقاعد ، والتكاسل ، واهمال أمور الرعية والاشتمال على اللذات الدنية ، ولما أظهروا العصيان ، وادرعوا بالخذلان سلطني الله عليهم ، فأذقتهم الخسف ، وأسمتهم العسف ، أخلي منهم الديار وأمحو الآثار ، وأسبي الذراري والولدان ، وامثل بالكهول والشبان ، وقد جعلت ألوفا من العذارى المسلمات مملوكات لبنات الفرنجيات ، ولا عذر لك في التخلف عن نصرتهم ، وقد أمكنتك يد القدرة ، وأنت قادر على النصرة ، مع أنكم تعتقدون أن الله فرض لكم في كتابكم ، فقال عشرة منا بواحد منكم ، وقد زاغ عنكم الصواب ، وكذبتم الكتاب ، و (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ)(١) ، ونحن اليوم الواحد منا يقتل العدد منكم فقد أظفرنا الله بكم ، وأقدرنا عليكم لا تقدرون دفاعا ، ولا تستطيعون امتناعا ، ثم بلغني أنك أخذت في الاحتيال ، وأشرفت على ربوة القتال ، وجمعت جمعا من البربر والعرب الذين ادرعوا العار ، وعبدوا الدرهم والدينار ، وأحلوا الحرام ، وباينوا دين الاسلام ، وتظل عاما تنتظر حوادث الزمان ، وتقلب الحدثان ، تقدم رجلا وتؤخر أخرى ، وهذا الفعل بمثلك أحرى ، فلا أدرى ألجبن أبطأ بك ، فضللت في غيك أم التكذيب بما أنزل على نبيك ، فإن كنت عاجزا عن العبور إلي خائفا من أهوال الزقاق ، فإني أذكر لك ما فيه الرفق بك ، والارتفاق ، وهو أن تعاهدني بالأيمان المغلظة ، والأقسام المعظمة ، ودفع الرهائن ، وتوجه إلي جملة من المراكب لأعبر إليك ، وأبارزك في أعز الأماكن عليك ، فإن كانت الدبرة لك ، كانت غنيمة ساقها الله إليك ، وإن كانت لي كانت يدي العليا ، واستحقيت إمارة الملتين ، والتقدم على الفئتين ، والله تعالى يوفق للسعادة ، ويسهل الإرادة ، فإنه لا رب غيره ، ولا خير إلا خيره ، والسلام.
__________________
(١) ـ سورة الأنفال ـ الآية : ٦٦.