والكتاب بخط وزير ألفنش ، وكان نصرانيا قد قرأ العربية ، فلما قرأ يعقوب كتابه استشاط غضبا ، وأدركته حمية الاسلام ، والغيرة على الإيمان ، فكتب على رأس الكتاب بخطه (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ)(١) وكتب تحت الآية :
ولا كتب إلا المشرفية عندنا |
|
ولا رسل إلا الخميس العرمرم |
ثم قام من ساعته ، فشد ذنب فرسه ، ولبس سلاحه وسار إلى زقاق سبتة ، فنزل عليه ، وجمع الشواني والمراكب ، وعرض جنده فكانوا مائتي ألف مقاتل ، مائة ألف يأكلون بالديوان ، ومائة ألف مطوعة ، وعبر الزقاق إلى مكان يقال له الزلاقة ، وجاءه ألفنش في مائتي ألف فارس وأربعين ألفا من أعيان الفرنج من أعيان المقاتلة ، فجرى بينهم قتال لم يجر في الجاهلية ولا الاسلام ، ثم إن الله أنزل نصره على الاسلام ، فهرب ألفنش في نفر يسير إلى طليطلة ، وغنم المسلمون ما كان في عسكره ، فكان عدة من قتل من الفرنج مائة ألف وستة وأربعين ألفا ، وعدة الأسارى ثلاثين ألفا ، ومن الخيام مائة ألف خيمة وخمسون ألفا ، ومن الخيل ثمانون ألفا ، ومن البغال مائة ألف ، ومن الحمير أربعمائة ألف تحمل أثقالهم ، لأنهم لا جمال لهم ، ومن الأموال والجواهر والثياب ما لا يحد ولا يحصى ، وبيع الأسير بدرهم ، والسيف بنصف درهم ، والحصان بخمسة دراهم ، والحمار بدرهم ، وقسم يعقوب الغنائم بين المسلمين على مقتضى الشريعة ، فاستغنوا إلى الأبد ، ووصل ألفنش طليطلة على أقبح حال ، فحلق رأسه ولحيته ، ونكس صليبه وآلى أن لا ينام على فراش ، ولا يقرب النساء ، ولا يركب فرسا ولا دابة حتى يأخذ بالثأر وأقام يجمع الجزائر ، والبلاد ، ويستعد ، وقيل إنما كانت هذه الواقعة سنة تسعين وخمسمائة.
__________________
(١) ـ سورة النمل ـ الآية : ٣٧.