قال العماد : ورأى معي يمما دواة محلاة ، فأنكر علي ، وقال : ما هذا؟ فلم أكتب بعد بها عنده أبدا ، قال : وكان محافظا على الصلوات في أوقاتها ، مواظبا على مفروضاتها ومسنوناتها ، وما رأيته يصلي إلّا في جماعة ، ولم يؤخر صلاة من ساعة إلى ساعة ، ولا يلتفت إلى قول منجم ، وإذا عزم على أمر توكل على الله الذي يقدم ويؤخر.
وذكره القاضي ابن شداد في السيرة وأثنى عليه ، وحكى عنه العجائب ، فمن ذلك أنه قال : كان حسن العقيدة ، كثير الذكر لله تعالى ، وإذا جاء وقت الصلاة ، وهو راكب نزل فصلى وما تركها إلا في مرضه ، الذي كات فيه ثلاثة أيام اختلط فيها ذهنه ، وكان قد قرأ عقيدة القطب النيسابوري ، وعلمها أولاده الصغار ، لترسخ في أذهانهم من الصغر وكان يأخذها عليهم.
وأما الزكاة فإنه مات ولم تجب عليه قط ، وأما صدقة النوافل فاستنفدت أمواله كلها ، وكان يحب سماع القرآن ، واجتاز يوما على صبي صغير بين يدي أبيه ، وهو يقرأ القرآن ، فاستحسن قراءته ، فوقف عليه وعلى أبيه مزرعة.
قال : وكان شديد الحياء ، خاشع الطرف ، رقيق القلب ، سريع الدمعة ، شديد الرغبة في سماع الحديث ، وإذا بلغه عن شيخ رواية عالية ، وكان ممن يحضر عنده استحضره ، وسمع عليه ، وأسمع أولاده ومماليكه وأمرهم بالقعود عند سماعه إجلالا له ، وإن لم يكن يحضر عنده ولا يطرق أبواب الملوك ، سعى إليه وسمع منه ، وروى عنه ، وتردد إليه ، ومضى إلى الاسكندرية ، وسمع الحديث الكثير من الحافظ السلفي ، ومن ابن عوف الموطأ ، وكان مبغضا لكتب الفلاسفة ، وأرباب المنطق ، ومن يعاند الشريعة ولما بلغه عن السهروردي ما بلغه أمر ولده الملك الظاهر بقتله ، وكان محبا للعدل له اثنان وخمسون مجلسا للعلم تحضره القضاة والفقهاء ، ويصل إليه الصغير والكبير والشيخ والعجوز ، وما