حجر أبيه أيوب ، وربي في الدولة النورية ، وولاه نور الدين دمشق ، وخرج مع عمه أسد الدين إلى مصر فملكها ، وقد ذكرنا ذلك أولا ، وكان شجاعا سمحا جوادا مجاهدا في سبيل الله ، يجود بالمال قبل الوصول إليه ، ويحيل به ، ومتى عرف وصول حمل وقع عليه بأضعافه ، وما خيب أحدا بالرد وإن لم يكن عنده شيء لطف به كأنه غريم يستمهله ، وكان مغرما بالإنفاق في سبيل الله وحسب ما أطلقه ووهبه مدة مقامه على عكا مرابطا للفرنج من رجب سنة خمس وثمانين وخمسمائة إلى يوم انفصاله عنها في شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ، مدة ثلاث سنين وكسر ، فكان اثني عشر ألف رأس من الخيل العراب والأكاديش الجياد ، للحاضرين معه في الجهاد ، والقادمين عليه من البلاد ، غير ما أظلقه من الأموال في أثمان الخيل المصابة في القتال.
وقال العماد : ولم يكن له فرس يركبه إلا وهو موهوب ، ولا جاءه قود إلا وهو مطلوب وما كان يلبس إلا ما حل لبسه وتطيب به نفسه ، كالكتان والقطن والصوف ، ويخرج عالي أثمان كسوته في أثمان المعروف ، ومجالسه منزهة عن الهزء والهزل ، ومحافله حافلة بأهل العلم والفضل ، وما سمعت منه قط كلمة فحش ولا كلمة تسقط ولا لفظة تسخط ، ويؤثر سماع الأحاديث بالاسانيد ، ويتكلم عنده في العلم الشرعي المفيد ، ويلين للمؤمنين ويغلظ على الكافرين ، ومن جالسه لا يعلم أنه جليس سلطان ، بل يعتقد أنه أخ من الإخوان ، تقيا صفيا ، مارد سائلا ، ولا صد نائلا ، ولا أخجل ولا خيب أملا.
قال : وشكا إليه أيوب بن كنعان دينا ، مبلغه اثنا عشر ألف دينار ، فقضاه عنه ، قال : وكتب إليه سيف الدولة بن منقذ ، نائبه بمصر ، أن بعض الضمان انكسر عليه مال كثير ، وربما وصل إلى الباب ويتمحل ، فلما كان بعد أيام وصل ذلك الرجل إلى الباب ، وتمحل وبلغ السلطان ، فأرسل إليه يقول احذر أن تقع في عين ابن منقذ.