أصبح ركب وركبت العساكر والانكلتار نازل على حاله لم يصل إليه من الفرنج أحد ، فحمل إليه المسلمون ، وهو في عشرين فارسا وثلاثمائة راجل ، فلم يتحرك ، فعظم على السلطان وصاح بالأطلاب : ويحكم وكم معه وأنتم عشرة آلاف وزيادة ، فلم يجبه أحد وقال له الجناح أخو المشطوب : قل لعلوقك الذين ضربوا الناس بالأمس وأخذوا كسبهم ، ويقال ان الانكلتار أخذ رمحه وحمل من طرف الميمنة إلى طرف الميسرة ، فلم يعترض أحد وساق السلطان من حينه إلى النطرون.
ونزل في خيمة صغيرة وحده وانفرد ، ولم يتجاسر أحد أن يكلمه ، وجاءت رسل الانكلتار إلى السلطان يقول : قد هلكنا نحن وأنتم وما طلبت الصلح لتقصير وضعف مني بل حرصا على المصلحة العائد نفعها علينا وعليكم.
ثم وقع الاتفاق على أن البلاد الساحلية التي بأيدي الفرنج هي لهم ، والبلاد الجبلية التي فيها القلاع تبقى بأيدي المسلمين ، وما بين العملين يكون مناصفة ، واختلفوا في عسقلان ، ثم اتفقوا انها تكون للفرنج خرابا لا تعمر ، وأعطاهم السلطان القمامة ، وكتبوا كتاب الصلح ، واتفقوا ولم يؤاخد السلطان الجناح بل عفا عنه ، وكان عفوه من كمال عفو السلطان ، لأن الناس كلوا وملوا وعلتهم الديون وذلوا ، وخاف السلطان أيضا على البيت المقدس ، وانعقد الصلح ، وارتفعت أصوات الفريقين وضجوا فرحا وسرورا ، وكان يوما عظيما ، واختلط الفريقان وزال بينهم الشنآن ، وسار الانكلتار في البحر طالبا بلاده ، فمات قبل أن يصل إليها ، وعاد السلطان إلى دمشق ، وعزم على الحج فقيل له : البلاد خراب ، وما نأمن من غدر الفرنج فتوقف.
فصل
ووصل إلى السلطان كتاب في غرة السنة من اليمن أن ثلاثة أنهار من الحبشة تغيرت ، كانت عذبة فصار الواحد أجاجا ، والآخر لبنا والثالث دما.