قلت وقد اجتمعت بابن النحاس في حلب سنة ثلاث وستمائة وحكى لي صورة الحريق ، وكان يحضر مجالسي ، فطاب قلبه يوما فقال للناس : اشهدوا أن نصف ثوابي في حريق الأبراج لفلان عني.
وبعد يومين من حريق الأبراج وصل عماد الدين زنكي صاحب سنجار إلى خدمة السلطان ، فالتقاه وتعانقا وسار به السلطان إلى خيمته ، فترجل عماد الدين قبل السلطان ومشى في خدمته بمقدار ما لبس السلطان زرموجته ، ودخل السلطان الخيمة ، وقدم له السلطان من الطرف ما يقدم لمثله وبسط له الثياب الأطلس ، فمشى عليها ، وأنزله في طرف الميسرة.
حديث ملك الألمان
وفي هذه السنة قطع الألمان خليج القسطنطينية إلى بلاد قليج أرسلان في ستمائة ألف جاؤوا من أفرنجة ، فخاف منهم ملك القسطنطينية ، فقالوا : لا تخف نحن ما جئنا إلا لنخلص القدس ، وصليب الصلبوت ، ونملك بلاد المسلمين ، فلما دخلوا بلاد قليح أرسلان لم يكن له بهم طاقة فاحتاج إلى مسالمتهم ، وكتب إلى السلطان يعتذر بالعجز عنهم ، وساروا طالبين ووقع فيهم الوباء ، فدفنوا كثيرا من سلاحهم ظنا منهم إذا عادوا أخذوها ، فهلكوا ، وأخذ المسلمون ما دفنوه ، ووصلوا إلى نهر طرسوس فتخلص منهم ابن ليون بقلاعه لأنه أرمني ، وهم روم فأراد الملك أن يسبح ، وكان ماؤه باردا فنهوه ، وقالوا : لا تفعل فأنت متعوب ، فقال : لابد فسبح فأخذته الحمى ، فأقاموا على النهر بسببه ، فأوصى إلى ولده الذي كان في صحبته ومات ، فسلقوه في خل وحملوا عظامه ليدفنوه في القدس.
ولما مات اختلفوا على ولده ، لأنه كان له آخر أكبر منه فكانوا يميلون إليه ، فتأخر عنه أكثرهم ، ودخل أنطاكية في جيش قليل ، وسأل البرنس