الدين عثمان صاحب شيزر ، وعز الدين إبراهيم ابن المقدم وغيرهم ، فتقدم السلطان إلى تل كيسان وعزم على لقاء الفرنج ، وقد وصل رسول الخليفة فخر الدين نقيب العلويين بمشهد التين ومعه خمسة أحمال نفط ، وتوقيع بعشرين ألف دينار تقترض من التجار على الخليفة فشق على السلطان وقال : أنا في يوم واحد أخرج مثل هذا وأضعافه ، وما أنا مضطر ، ورد عليه الجميع ، فأشار عليه بعض أصحابه بأخذ النفط للغزاة فأخذه ، ورد التوقيع ، وقال : يرحم الله العاضد وصل إلي منه في عشرين يوما بمقام الفرنج على دمياط ألف ألف دينار ، ومثلها عروض.
حديث حريق الأبراج
كان للافرنج ثلاثة أبراج من الخشب والحديد ، وألبسوها جلود البقر المسقاة بالخل والخمر لئلا تعمل فيها النار ، وطموا خندق عكا ، وسحبوا الأبراج على العجل إلى السور ، فأقبلت مثل الجبال ، وأشرفت على البلد ، وفي كل برج خمسمائة مقاتل ، فأيس المسلمون من البلد ، وقد حيل بينهم وبين السلطان ، والعساكر ، واجتهدوا في الوصول إلى البلد فلم يقدروا ، ورماهم الزراقون الذين في البلد بالنفط فلم يحترق منها شيء ، وكان بعكا شاب دمشقي يقال له ابن النحاس ، ليس له في الديوان اسم ، وكان عارفا بالنفط والحريق ، فهيأ ثلاثة قدور ، وقال لقراقوش : انصب لي منجنيقا ، فانتهره وقال : قد عجز الصناع فمن أنت؟ فقال : قد عملت قدورا لله تعالى وما أريد منكم شيئا ، وما يضركم أن أرمي بها في سبيل الله ، فإن نفعت وإلا فاحسبني واحدا منهم ، فقال قراقوش : ما يضرنا ذلك ، ثم نصب له المنجنيق فرمى قدرة واحدة في البرج ، فاحترق بمن فيه ، ثم فعل ذلك بالثاني والثالث فكبر المسلمون وسمع السلطان وكبر العساكر ، وفرح قراقوش والأمراء وطموه بالخلع والأموال ، فلم يأخذ منها شيئا ، وقال : أنا فعلت هذا لله تعالى ، وكان ذلك صبيحة يوم الجمعة العشرين من ربيع الأول.