ومرتقى الهرمين ، وروضة جنانها ، وجنة رضوانها ، ومشاهدها ومجامعها ، ومساجدها وجوامعها ، ونواضر بساتينها ومناظر ميادينها ، وساحات سواحلها ، وآيات فضائلها؟!.
وذكر ابن نجية كلاما طويلا من هذا الجنس فكتب إليه السلطان : ورد كتاب الفقيه زين الدين أدام الله توفيقه ، لا ريب أن الشام أفضل وأن أجر ساكنه أجزل ، وإن القلوب إليه أميل ، وإن زلاله البارد أحلى وأنهل ، وإن الهواء في صيفه وشتائه أعدل ، وإن الجبال فيه أجمل ، والجمال به أكمل ، وإن القلب به أروح ، والروح به أقبل ، ودمشق فعاشقها بها مستهام ، وما على محبها ملام ، وما في ربوتها ريبة ، ولكل نور فيها سيبه ، وساجعاتها على المنابر الورق ، وهزاراتها وبلابلها تعجم وتعرب ، وكم فيها من جواري ساقيات وسواقي جاريات ، وثمار بلا أثمان ، وروح وريحان وفاكهة ورمان ، وخيرات حسان ، وكون الله تعالى أقسم (والتين والزيتون) يدل على فضله المكنون ، وقال صلىاللهعليهوسلم : الشام صفوة الله من بلاده ، يسوق إليها خير أمة من خلقه ، وعامة الصحابة اختاروا المقام بالشام ، وفتح دمشق بكر الاسلام ، وما ينكر ان الله تعالى ذكر مصر ، ولكن على لسان فرعون بقوله : (أليس لي ملك مصر) (١) لكن هذا أخرج مخرج العتب له والذم ، ألا ترى أن يوسف عليهالسلام نقل منها إلى الشام ، ثم المقام بدمشق أقرب إلى الرباط وأوجب للنشاط ، وأين قطوم المقطم من النيربين ، وأين دار منيف من ذروة الشرف المبين ، وأين لبانة لبنان من الهرمين ، وهل هما إلا مثل السلعتين ، وهل للنيل من طول نيله وطول ذيله برد بردا في نفع العليل ، وما لذاك الكثير من طلاوة هذا القليل ، وإن فاخرتنا بالجامع وفيه البشر ظهر بذلك قصر القصر ، ولو كان لهم بانياس لما احتاجوا إلى قياس المقياس ، ونحن لا نجفو الوطن كما جفاه ، ولا نأبى فضله كما أباه ، وحب الوطن من
__________________
(١) ـ سورة الزخرف ـ الآية : ٥١.