طريقه بعين تاب ، وبها ناصح الدين محمد بن خمارتكين ، ونزل إليه ، وقام بالضيافة ، فأبقاها عليه ، وجاءه ابن الساعاتي فأنشده :
وانهض إلى حلب في كل سابقة |
|
سيوفها تغني عن الفلك |
ما فتحها غير إقليد الممالك |
|
والداعي إلى جميع الخلق والملك |
فنازل حلب في سادس عشر المحرم ، ونزل بالميدان الأخضر وباشر القتال بكرة وعشيا ، وزحف يوما أخوه تاج الملوك بوري فجاءه سهم في عينه ، فوقع مريضا ، ومات في الثالث والعشرين من صفر ، ثم علم عماد الدين زنكي أنه لا طاقة له به ، وضج من اقتراح الأمراء عليه ، فقال لحسام الدين طمان : اخرج إلى صلاح الدين وسله في الصلح فخرج سرا ولم يعلم به أحد ، فقرر الصلح وأن يرد إليه سنجار وأعمالها ، والخابور ، ونصيبين ، وأنه يسلم إليه قلعة حلب ، وعلم الناس بالصبح ، فخرجوا إلى صلاح الدين فخلع عليهم ، وجعل أهل حلب تحت القلعة اجانة وثيابا وصابونا ، وصاحوا على عماد الدين : يا فاعل ، يا صانع ، انزل فاغسل الثياب مثل المخانيث ما يصلح لك غير هذا ، وعملوا فيها الأشعار وتغنوا بها في الأسواق ، ومنها :
وبعت بسنجار خير القلاع |
|
ثكلتك من بائع مشتري |
فلما كان اليوم العشرون من صفر توفي تاج الملوك أخو السلطان ، فحزن عليه حزنا عظيما وجلس للعزاء ، ونزل إليه عماد الدين فالتقاه السلطان وأكرمه وخدمه ، وقدم له الخيول والتحف الجليلة ، وعاد عماد الدين إلى القلعة وأقام السلطان كئيبا حزينا وكان يبكي ويقول : ما وفت حلب بشعرة من أخي ، وقيل انه قال : ما غلت حلب ببوري ، والأول أليق بالسلطان لأنه ما كان في البيت مثل بوري ، وسار عماد الدين من يومه إلى سنجار ، وأقام السلطان في المخيم غير مكترث بحلب لما جرى عليه من وفاة أخيه ، ثم صعد القلعة سلخ صفر ، فأنشده القاضي ابن