ونهب وقتل وأسر ، وسار يريد جدة ، وبلغ الخبر إلى سيف الدين العادل أخي السلطان ، فأمر حسام الدين الحاجب لؤلؤ ، فركب في بحر القلزم وسار خلفهم ، وساعده الريح فأدركهم ، وقد اشرفوا على مدينة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فهرب بعضهم في البر ، وأسر الباقين ، فأخذ مائة وسبعين أسيرا ، وخلص أموال التجار ، وردها إليهم ، واستولى على مراكبهم ، وعاد إلى القاهرة وكتبوا إلى السلطان بذلك ، فقال : تضرب رقاب الأسارى بعضهم بالقاهرة وبعضهم بمكة والمدينة ففعلوا ، وكتب القاضي الفاضل إلى الخليفة كتابا في هذا المعنى : وكان الفرنج قد ركبوا من الأمر نكرا ، وافتضوا من البحر بكرا ، وعمروا مراكب شحنوها بالمقاتلة والأزواد ، وضربوا بها سواحل تهامة وأوغلوا في البلاد ، وما ظن المسلمون إلا ان الساعة قد نشر مطوى شروطها ، وطوى منشور بساطها ، فثار غضب الله لفناء بيته المحرم ، ومقام أنبيائه المعظم ، وضريح نبيه المفخم ، صلىاللهعليهوسلم ، وزخر من فضل الله أنه كان البيت إذ قصدوه أصحاب الفيل ، ووكلوا الأمور إلى الله ، فكان حسبهم ونعم الوكيل ، فلم يبق من العدو خبرا ولا أثر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً)(١) ....
السنة التاسعة والسبعون وخمسمائة
وفي يوم الأحد عاشر المحرم تسلم السلطان آمد ودخل إليها وجلس في دار الامارة ، ثم سلمها وأعمالها إلى نور الدين محمد بن قرا أرسلان ، وكان وعده بها لما جاء إلى خدمته ، ولما أخذها صلاح الدين خرج الرئيس محمود بن علي ومحمد بن كيكلدي منها بأموالها وحريمها إلى الموصل ، وأعانهما صلاح الدين بدواب تنقل بعض قماشهما ، فحملا ما خف حمله ، وعجزا عن حمل كثير من الذخائر والأسلحة.
وفي المحرم عاد السلطان فقطع الفرات قاصدا إلى حلب ، واجتاز في
__________________
(١) سورة الزمر ـ الآية : ٧١.