كان الله قرب أجلي أيؤخره شرب الخمر؟ قال : لا ، قال : فوالله لا لاقيت الله وقد لقيت ما حرم علي ، فمات ولم يشربه.
قلت : أخطأ الكاشاني فإن الخمر لا يباح عند أبي حنيفة وجميع أصحابنا للتداوي ، وكذا عند مالك وأحمد ، وعند الشافعي يجوز للضرورة ، وعندنا ان الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها.
ولما اشتد مرضه أحضر الأمراء واستحلفهم لعز الدين صاحب الموصل ، فقيل له : لو أوصيت إلى ابن عمك عماد الدين صاحب سنجار ، وهو تربية أبيك ، وزوج اختك ، وشجاع كريم ، وعز الدين له من الفرات إلى همذان؟ فقال : إن هذا لم يخف عني ، ولكن علمتم استيلاء صلاح الدين على الشام ومصر واليمن ، وعماد الدين لا يثبت له ، وعز الدين له العساكر والأموال فهو أقدر على حفظ حلب ، ومتى ذهبت حلب ذهب الجميع ، فاستحسنوا قوله.
وتوفي في الخامس والعشرين من رجب ، ولم يبلغ عشرين سنة وكانت أيامه ثماني سنين وشهرا ، وأقام الحلبيون النوح عليه والمأتم ، وفرشوا الرماد في الأسواق وأقاموا مدة على ذلك ، وجرى عليهم ما لم يجر على أحد ، لأنه كان صالحا كما سمي ، عادلا منصفا حسن السيرة على أسلوب أبيه ، وتزوج عز الدين أم الملك الصالح في شوال ، وأقام في قلعة حلب إلى سادس عشر شوال ، وعلم أنه لا يمكنه حفظ الشام مع الموصل لملازمته الشام ، وألح عليه الأمراء في طلب الزيادات ودلوا عليه لأنهم اختاروه ، وضاق عليه ، فسار إلى الرقة ، واتفق مع أخيه عماد الدين صاحب سنجار ، وتقايضا ، ورحل عماد الدين إلى حلب في سادس عشر المحرم سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، وكتب صلاح الدين إلى الخليفة يستأذنه في الاستيلاء على حلب ، ويقول بأن جماعة الأتابكية يسعون في تفريق الكلمة ، ويستنهضون الفرنج لقتال المسلمين ، ويستعينون علينا بالاسماعيلية ، وأقام بمصر منتظرا الجواب .....