السنة الثالثة والسبعون وخمسمائة
فصل
..... وفيها كانت وقعة الرملة في جمادى الآخرة خرج صلاح الدين من مصر بالعساكر على عسقلان ثم رحل يريد تل الصافية فازدحمت العساكر على الجسر يريدون العبور ، فلم يشعروا إلا وقد خالطهم الفرنج فبعث تقي الدين عمر وقاتل ، ثم قتل من المسلمين خلق كثير وانهزمت عساكر الاسلام وأسر كثير ، منهم الفقيه عيسى وغيره ، ولولا أن الليل حجز بينهم لم يبق من المسلمين أحد ، وسار صلاح الدين في الليل إلى مصر من غير دليل ولا ماء ، ولا زاد ، وكانت هذه الوقعة من أعظم الوقائع أبلت في الاسلام فأوهنت صلاح الدين ، لأنه كاد أن يتلف جوعا وعطشا ، ونهبت خزائنه وقتل رجاله وأسر أبطاله ، وكان مقدم الفرنج أرناط وكان من أكبر ملوك الفرنج ، وكان نور الدين قد أسره في وقعة حارم وحبسه في قلعة حلب ، فأطلقه الملك الصالح فجاء ومعه ملوك الفرنج ، وما أتلف عسكر المسلمين إلا أنهم تفرقوا في الغارات ، وكانوا زيادة على عشرين ألفا ، ووقعت الكسرة ومعظمهم لم يعلم فلما رجعوا من الغارات لم يجدوا صلاح الدين ولم يكن لهم حصن يأوون إليه فدخلوا الرمل ، وتبعهم الفرنج قتلا وأسرا ، ومن سلم منهم مات جوعا وعطشا وكان يوما عظيما على الاسلام لم يجبره إلا وقعة حطين.
ورجع أرناط بجمعه إلى حماة فأناخ عليها ، وبها شهاب الدين محمود خال صلاح الدين ، وهو يومئذ مريض ، وعنده سيف الدين المشطوب فقاتلهم العسكر وأهل حماة قتالا عظيما ، ولولا المشطوب لملكوها وقطعوا أشجارها وأحرقوا ضياعها ، ورحلوا إلى حارم وبها كمشتكين الخادم عاصيا على الملك الصالح اسماعيل ، فنصبوا عليها المناجيق وقاتلوها أياما فلجأت الضرورة إلى مصالحة الملك الصالح فبعث إليه النجدة فرحلوا إلى أنطاكية وقتل كمشتكين وأبو صالح بن العجمي ، وبلغ صلاح الدين