رسولا ، ووقع له
كتابين أحدهما إلى صلاح الدين ليأخذ منه عهدا للمواصلة ويكشف ما عنده ، والكتاب
الثاني إلى الحلبيين يلومهم على الصلح ويخبرهم أنه مقبل بعساكر الشرق ، وكان صلاح
الدين بدمشق فبدأ به الرسول وقد ربط الكتابين في منديله لتغفله ، فلما دخل على
صلاح الدين غلط فناوله كتاب الحلبيين لسعادة صلاح الدين فتأمله وعلم أن الرسول غلط
فلم يقل له كلمة وفهم الرسول ، فقام وخرج من عنده ولم يمكنه الاستدراك ، وكتب صلاح
الدين إلى مصر لأخيه الملك العادل أبي بكر بتجهيز العساكر المصرية إلى الشام سرعة
، وجمع سيف الدين العساكر من الجزيرة ، وكان أخوه عماد الدين زنكي بسنجار عاصيا له
مائلا إلى صلاح الدين ، فصالحه وجاء سيف الدين فقطع الفرات ونزل عليها وبعث إلى
أمراء حلب وكمشتكين الخادم وتقرر بينهم أمر ، وسار إلى حلب والتقاه الملك الصالح
بن نور الدين فاعتنقه سيف الدين وبكى ، ونزل بظاهر حلب بعين المباركة ، وصعد
القلعة جريدة ، وكان أمراء حلب يركبون كل يوم إلى خدمته ، ثم رحل إلى تل السلطان
ومعه عساكر الشرق وديار بكر والحلبيين فكانوا عشرين ألفا ما بين فارس وراجل ، وبلغ
صلاح الدين ، وهو بدمشق ولم يكن عنده سوى ستة آلاف وما رأى التخلف عن لقائهم وكان
في انتظار العسكر المصري فسار ونزل حماة وترك اثقاله بها ، وسار إلى جباب التركمان
، وجاءه رسول الحلبيين يخوفونه بأسهم ويأمرونه بالرجوع إلى مصر.
قال رسولهم :
فوافيته وهو في خيمة صغيرة على بساط لطيف ، وتحته سجادة ، وبين يديه مصحف ، وهو
مستقبل القبلة إلى جانبه زرديته وسيفه وقوسه وتركاشه معلق في عمود الخيمة ، فلما
رأيته وقع في خاطري أنه المنصور ، لأنني فارقت سيف الدين والأمراء وهم على طنافس
الحرير والخمور تروق والخواطي تعمل ، وليس في خيامهم خيمة إلا وفيها أنواع
المحرمات ، فأديت إليه الرسالة ، وجاء وقت الظهر