فضج العسكر بصوت الآذان ، وفي كل خيمة إمام فقال لي : الحق بأصحابك وقل لهم يستعدوا للقائي فإني عند طلوع الشمس نازل عليهم و (يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)(١).
قال : ففارقته وأنا على بصيرة من نصره وخذلانهم ، وسقت عامة الليل فوافيتهم وقت الفجر وهم سكارى ، فطلبت سيف الدين فقيل هو نائم قال : والله ما انتظر الشمس إلا وأعلام صلاح الدين قد أقبلت والكوسات تخفق وأصحابنا نيام فقاموا مسرعين وكان يوم الخميس عاشر شوال وكان على ميمنة صلاح الدين ابن خاله شهاب الدين محمود ، وعلى ميسرته ابن زين الدين صاحب إربل وصاحب بصرى وهو في القلب ، وكان في ميمنة المواصلة مظفر الدين ابن زين الدين صاحب إربل ، وعلى ميسرته الحلبيون وسيف الدين في القلب ، وكان صلاح الدين قد وقف على تل عال فحمل ابن زين الدين فطحن ميسرة صلاح الدين ، وحمل الحلبيون على ميمنته فتعتقوها ، فنزل إليهم واتفق وصول العساكر المصرية في تلك الساعة مع تقي الدين عمر ، وعز الدين فرخشاه وناصر الدين محمد بن أسد الدين فهال ذلك الحلبيين من دق الكوسات ، وكثرة الأطلاب ، والعدد الوافرة والخيل العربية ، فانخذلوا وولوا منهزمين ، وساق صلاح الدين خلفهم وأسر أمراءهم ، ونجا سيف الدين بنفسه ، وعاد صلاح الدين إلى خيامهم فوجد سرادق سيف الدين مفروشا بالرياحين والمغاني جلوس في انتظاره ، والخمور تروق ومطابخه بقدورها ، وفيه اقفاص الطيور فيها أنواع من القماري والبلابل والهزارات ، فأرسل صلاح الدين بما كان في السرادق والمغنين والخمور والطيور إليه وقال للرسول قل له : اشتغالك بها أليق من مباشرة الحروب ، ولا تعد إلى مثلها ، ثم فرق صلاح الدين الخزائن والخيل والخيام على أصحابه وأعطى عز الدين فرخشاه سرادق
__________________
(١) سورة الأعراف ـ الآية : ٨٧.