وكان بالقلعة ريحان الخادم فعزم على قتاله فجهز إليه عسكر دمشق ، وركب صلاح الدين من الجسورة والتقاه أهل دمشق بأسرهم وأحدقوا به ، فنثر عليهم الدراهم والدنانير ، وجاء صلاح الدين فدخل دمشق ، ولم يغلق في وجهه باب ولم يمنعه مانع.
وقال القاضي الفاضل ، فملكنا دمشق عناية لا عنوة ، وكان عسكر دمشق لما رأوا فعل العوام بصلاح الدين انكفؤوا راجعين إلى القلعة ، ونزل صلاح الدين بدار العقيقي وكانت دار أبيه ، ونزل أخوه شمس الدين بدار عمه أسد الدين شيركوه ، وتمنعت عليه القلعة أياما ، ثم سلمها إليه ريحان الخادم ، وأحسن صلاح الدين إلى ابن المقدم والقاضي ابن الشهرزوري ، ومشى إلى دار كمال الدين فانزعج وخرج إلى لقائه ، ودخل صلاح الدين فجلس وباسطه ، وقال : يا كمال الدين لما كنت في الشحنكية قد كانت بيننا هنات ومشاحنات ـ وكان كمال الدين يكرهه فكان كل واحد منهما ينقض على الآخر أحكامه ـ فقال له صلاح الدين ما مشيت إليك إلا لأزيل ما في خاطرك من الوهم ، وأعرفك أن ما في قلبي لك ما تكره ، فطب نفسا وقر عينا ، فالأمر أمرك والبلد بلدك.
قلت : ومشي صلاح الدين إلى دار كمال الدين من أحسن ما سطر في السير ، وهو دليل على تواضعه وعفوه بعد ما قدر ، فيا طوبى لمن جاء بعده إن فكر واعتبر ، وعرف قدر انعام الله عليه فحمد وشكر ، وأكثر الشعراء في أخذ صلاح الدين دمشق ، ثم ان صلاح الدين أسكن أخاه طغتكين قلعة دمشق ، وطغتكين هو سيف الاسلام ، ثم كتب إلى الملك الصالح بن نور الدين كتابا يتواضع له فيه ويخاطبه بمولانا وابن مولانا ، ويقول : إنما جئت من مصر خدمة لك لأؤدي ما يجب من حقوق المرحوم فلا تسمع ممن حولك فتفسد أحوالك وتختل أمورك ، وما قصدي إلا جمع كلمة الاسلام على الفرنج ، فعرض كتابه على أرباب دولته وفيهم خالد ابن محمد بن القيسراني وغلمان أبيه وابن العجمي ، فأشاروا إليه بأن