خد الغلام ، وإذا به مثل الجمرة قد أخذته الحمى ، فأخذته ومضيت به إلى خيمتي فلما أصبحت أحضرت الطبيب ، قال : هذا مرض سماوي ، فلما كان وقت الظهر مات فغسلته وكفنته.
فلما كان اليوم الثاني دعاني نور الدين فدخلت عليه فقال : اقعد فقعدت ، فقال يا سهيل : «ان بعض الظن اثم» قال : فاستحييت ، فقال : قد عرفت حالي وأنت ربيتني ، هل عثرت لي على عثرة؟ قلت : حاشى الله ، قال : فلم حملت الكاذة وحدثتك نفسك بالسوء ما أنا معصوم ، ولما رأيت الغلام وقع في قلبي منه مثل النار ، فقلت انه من تسويل الشيطان فقلت لك : اشتره لعلي يذهب عني ما أنا فيه ، فلم يذهب فقالت لي نفسي : أريد أن أراه كل يوم فأمرتك باحضاره ، فقالت : ما اقنع إلا بأن تحضره فلما كان في تلك الليلة ما تركتني أنام ، وبقيت أنا واياها في حرب إلى وقت السحر ، فهممت أن أفتح باب البرج أصعده إلى عندي ، فجاءتني اليقظة ، وكشفت رأسي وقلت : الهي محمود عبدك المجاهد في سبيلك ، الذاب عن دينك ودين نبيك صلىاللهعليهوسلم ، عمر المدارس والربط ، وأوقف الأوقاف وفعل ما فعل أيختم له بمثل هذا؟ قال : فسمعت هاتفا يقول : يا محمود قد كفيناك أمره لابأس عليك فعلمت أنه قد حدث ، وأما أنت يا سهيل جزاك الله عن الصحبة خيرا ، والله القتل أهون علي من الوقوع في المعصية ، ثم قدم سهيلا وأحسن إليه.
وحكى لي الكمال ابن البانياسي ، ابن أخي الشهاب قال : حكى من يتولى أوقاف نور الدين أنه أجر بعض بساتينه لرجل من دمشق على ستمائة درهم ، فأصاب البساتين جائحة ، فجاء ذلك الرجل يتضرر ، فاسقطوا عنه ثلاثمائة درهم ، فلما كان بعد أيام جاء الرجل ومعه ستمائة درهم ، وهو يبكي ، فقلنا له : مالك؟ قال : رأيت في المنام وقد خرج علي نور الدين من القبر وبيده جوكان ، وقال : أنت تكسر وقفي وأراد أن يضربني ، فقال : أنا تائب ورمى بالدراهم ، فقلنا له : خذها فقال : لا والله أخاف أن يضربني.