وقلت : يا سيدي من محمود في الفئتين ، الدين دينك ، والجند جندك ، وهذا اليوم هو فافعل ما يليق بكرمك ، قال : فنصرنا الله عليهم.
قلت : وحدثني شهاب الدين النابلسي عم جمال الدين البانياسي ، وكان على ديوان جامع دمشق ، أول ما قدمت الشام اجتمعت به في درب العشاريين في قاعة الوزير صفي الدين بن شكر وزير العادل ، وكان هناك جماعة ، فاشتغل الوزير بالحديث معهم ، وكان الشهاب إلى جانبي ، فتذاكرنا نور الدين ، فقال : كان أبي يخدم نور الدين في أسفاره ومقامه يتصيد في أرض قطنا ويعفور وأنا معه ، فبينما أنا ذات يوم وقد ركب من الخيم ليذهب إلى الصيد ، وإذا برجل أعجمي قد أقبل من ناحية دمشق ، وكان معه خيل ومماليك ، وكان تاجرا ، فلما وصل إلى نور الدين ، وكان صديقه ، فقال : أين أرمغان؟ فقال : حاضر ومضى نور الدين ، فلما عاد استدعاه فأحضر قماشا وعدة مماليك ، وفيهم مملوك مستحسن جدا فقبل المملوك ورد الباقي ، وكان له خادم أبيض اسمه سهيل قد رباه فقال له : يا سهيل خذ هذا المملوك إليك وادفع إلى التاجر خمسمائة دينار وخلعة وبلغة ، قال أبو الشهاب : فحدثني سهيل قال : لما قال لي كذا قلت في نفسي : إنا لله وإنا إليه راجعون ، هذا ما اشترى مملوكا قط يساوي خمسين دينارا يشتري مملوكا بخمسمائة دينار ، قال : ففعلت ما أمرني به فتركني أياما ، وقال : يا سهيل أحضر المملوك كل يوم مع المماليك يقف في الخدمة ، قال : فأحضرته ، فلما كان بعد أيام قال لي : أحضره وقت العشاء الآخرة إلى الخيمة ونم أنت وإياه على باب البرج ، قال : فقلت في نفسي : هذا الشيخ في زمن شبابه ما ارتكب كبيرة ، ولما ارتفع سنه يقع فيه والله لأقتلنه قبل أن يقع في معصية ، قال : فعمدت إلى كاذة لي فأصلحتها وقلت : والله لأقتلنه قبل أن يصل إليه ، وجئت بالمملوك إلى الخيمة وأنا قلق ، فسهرت عليه الليل ونور الدين في أعلى البرج ، فلما كان وقت الصبح غلبتني عيناي فنمت ، ثم انقلبت فوقعت يدي على