قال : وبنى جامع
حماة على العاصي ، وهو من أحسن الجوامع ، وقال : وقع بيد نور الدين أفرنجي من
أكابر الملوك ، ففدى نفسه بمال عظيم ، فشاور نور الدين أمراءه فأشاروا عليه ببقائه
في الأسر خوفا من شره ، فأرسل نور الدين إليه يقول : أحضر المال ، فأحضر ثلاثمائة
ألف دينار ، فأطلقه نور الدين ، فعند وصوله إلى مأمنه مات ، فطلب الأمراء سهمهم من
المال ، فقال نور الدين : ما تستحقون منه شيئا لأنكم نهيتم عن الفداء ، وقد جمع
الله لي الحسنيين الفداء وموت اللعين ، وخلاص المسلمين منه فبنى بذلك المارستان
بدمشق ومدرسة ودار الحديث بدمشق ، ووقف عليها الأوقاف.
حكى ابن الأثير
قال : وبلغني أن وقوف نور الدين في أبواب البر بالشام في وقتنا هذا وهو سنة ثمان
وستمائة تغل كل شهر تسعة آلاف دينار صورية ، ليس فيها ملك فيه كلام ، بل حق ثابت
بالشرع باطنا وظاهرا صحيح الشراء.
قلت : رحم الله
المجد أشار إلى ذلك ، أما في زماننا هذا فقد تشعث وقفه وتغيرت صفاته ، ولم يبق منه
إلا آثاره وبركاته.
حكى ابن الأثير
أيضا أن بعض الأمراء كان يحسد القطب النيسابوري على قربه من نور الدين فنال منه ،
فقال : يا مسكين لو نظرت في عيب نفسك لشغلك عن عيوب الناس ، وإن صح ما قلت فله
حسنة ، واحدة يغفر الله له بها كل زلة وهي العلم ، وأنت وأصحابك ليست لك عند الله
حسنة ، والله لئن عدت إلى ذكره أو ذكر غيره بسوء لأؤدبنك ، فكف عنه.
قال : ما كان أحد
من الأمراء يتجاسر أن يجلس عنده من هيبته فإذا دخل عليه فقير أو عالم أو رب خرقة
قام ومشى إليه وأجلسه إلى جانبه ، ويعطيه الأموال ، فإذا قيل له في ذلك ، يقول :
هؤلاء لهم حق في بيت المال ، فإذا قنعوا ببعضه فلهم المنة علينا.