وذكره العماد الكاتب في أول البرق الشامي وأثنى عليه ، وقال : وفي سنة تسع وستين وخمسمائة وهي التي توفي فيها نور الدين أكثر من الصدقات والأوقاف ، وعمارة المساجد المهجورة ، وتعفيه آثار الآثام ، واسقاط كل ما كان فيه الحرام ، فما أبقى سوى الجزية وما يحصل من قسمة الغلات على قويم المناهج.
قال : وأمرني أن أكتب مناشير لجميع أهل البلاد ، فكتبت أكثر من ألف منشور ، وحسبنا ما تصدق به في تلك الشهور ، فكان ثلاثين ألف دينار ، وكان له برسم نفقته الخاصة في كل شهر من الجزية ما يبلغ ألفي قرطاس يصرفها في كسوته وملبوسه ومأكوله ، حتى أجرة خياطة وجامكية طباخه ، ويستفضل منها ما يتصدق به في آخر الشهر ، وقيل إن قيمة القراطيس مائة وخمسون درهما ، وقيل كل ستين قرطاسا أو سبعين بدينار.
قال : وما كان يصل إليه من الهدايا وغيرها يبعثه إلى القاضي يبيعه ويعمر به المساجد المهجورة ، ولا يتناول منه شيئا ، وأمر بإحصاء مساجد دمشق فأحصيت ، فكانت مائة مسجد ، فأوقف الأوقاف على جميعها ، وذكر العماد جملة من فضائله ولمعة من فواضله ، ومن المساجد جامع قلعة دمشق ، ومسجد عطية بباب الجابية ، ومسجد الرياحين ، ومسجد سوق الصاغة ، ومسجد دار البطيخ ، ومسجد العباسي ، ومسجد بجوار بيعة اليهود ، ومسجد الكشك وأشياء أخرى.
قلت : وذكره جدي في المنتظم بكلمات يسيرة فقال : ولي الشام سنين ، وجاهد الكفار ، وكأن أصلح من كثير من الولاة ، وكان يتدين بطاعة الخليفة ، والطرق آمنة في أيامه ، والمحامد كثيرة ، وذكر بناء المارستان بدمشق ، وجامع الموصل ، وكان يميل إلى التواضع ، ويحب العلماء وأهل الدين ، وقد كاتبني مرارا ، وذكر أسره لملك الفرنج وأنه أخذ منه ثلاثمائة ألف دينار ، وشرط عليه أن لا يغير على بلاد الاسلام سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام ، وأخذ منه رهائن على ذلك ، هذا ما ذكره جدي في المنتظم في ترجمة نور الدين.