أقر الاقطاع عليه ، وإن كان صغيرا رتب معه من يتولى أمره حتى يكبر فكان الأجناد يقولون : هذه أملاكنا ، ونحن نقاتل عليها لأننا نتوارثها ، قال : ما كان يكل الجند على الأمراء بل يتولاهم بنفسه ويباشر خيولهم وسلاحهم مخافة أن يفضي الأمر إلى خفضهم ، ويقول : نحن كل وقت في النفير فإذا لم تكن أجنادنا كاملي العدة دخل الوهن على الاسلام.
قال : وبنى جامعه بالموصل ، وفوض عمارته إلى الشيخ عمر الملاء ، وكان من الصالحين فقيل له : إنه لا يصلح لمثل هذا ، فقال : إذا وليت بعض الأجناد ، أو بعض العمال لا يخلو من الظلم ، وبناء الجامع لا يفي بظلم رجل مسلم ، وإذا وليت هذا الشيخ غلب على ظني أنه لا يظلم ، فإذا كان الاثم عليه لا علي.
وكان عمرا الملاء من الصالحين ، وإنما سمى الملاء لأنه كان يملأ تنانير الآجر ويأخذ الأجرة ، فيتقوت بها ، وكان ما عليه مثل القميص والعمامة ما يملك غيره ، ولا يملك من الدنيا شيئا ، وكان عالما بفنون العلوم ، وجميع الملوك والعلماء والأعيان ، يزورونه ويتبركون به ، وصنف كتاب سيرة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان يعمل مولد رسول الله صلىاللهعليهوسلم كل سنة ، ويحضر عنده صاحب الموصل والأكابر ، وكان نور الدين يحبه ويكاتبه ، وكان مكان الجامع النوري خربة واسعة ما شرع أحد في عمارتها إلا وقصر فأشار عمر على نور الدين بعمارتها جامعا فاشتراها ، وانفق عليها أموالا كثيرة ، قيل ستين ألف دينار ، ويقال ثلاثمائة ألف دينار ، فتم في ثلاث سنين ، ولما تم جاء نور الدين إلى الموصل وهي المرة الأخيرة ، فصلى فيه ، ووقف علييه قرية بالموصل ، ورتب فيه الخطيب والمؤذنين والحصر والبسط وغيرها ، ثم دخل عمر الملاء على نور الدين وهو جالس على دجلة فترك بين يديه دساستين الخرج وقال : يا مولانا أشتهي أن تنظر فيها ، فقال نور الدين : يا شيخ نحن عملنا هذا لله ، دع الحساب إلى يوم الحساب ، ثم رمى بالدساتين في دجلة.