المكاتب لليتامى ، وبنى المارستان بدمشق ، ووقف على سكان الحرمين ، وأقطع أمراء العرب القطائع لئلا يتعرضوا للحجاج ، وأمر بإكمال سور المدينة ، وأجرى إليها العين التي تأخذ من أحد من عند قبر حمزة ، وهيأ الربط والجسور والخانات والقناطر ، وجدد كثيرا من قنى السبيل ، ووقف كتبا كثيرة في مدارسه ، وكان حسن الخط ، كثير المطالعة للكتب الدينية ، متبعا للآثار النبوية ، مواظبا على الصلوات الخمس في الجماعات ، عاكفا على تلاوة القرآن ، حريصا على فعل الخيرات ، عفيف البطن والفرج ، مقتصدا في الانفاق ، متحريا في المطعم والمشرب والملبس ، لم يسمع منه كلمة فحش قط في رضاه ولا في غضبه ، هذا إلى ما جمع الله فيه من العقل المتين والرأي الصائب الرزين ، والاقتداء بسنة السلف الصالحين ، حتى روى حديث المصطفى وأسمعه ، وكان قد استجيز له ممن سمعه وجمعه حرصا على الخير في نشر السنة والحديث ، ورجاء به أن يكون ممن حفظ على الأمة أربعين حديثا ، كما جاء في الحديث ، فمن رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة المملكة ما يبهره ، فإذا فاوضه رأى من نصافته وتواضعه ما يحيره ، يحب الصالحين ويوافيهم ويزورهم في أماكنهم لحسن ظنه فيهم ، هذا قول ابن عساكر ، وذكر كلاما طويلا.
وقال الجزري في تاريخ الموصل (١٢) : قد طالعت تواريخ الملوك المتقدمة من قبل الاسلام إلى يومنا هذا ، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين ، وعمر بن عبد العزيز ملكا أحسن سيرة من نور الدين ، ولا أكثر تحريا للعدل والانصاف منه ، ثم ذكر من عدله وزهده وفضله وجهاده واجتهاده من أحسن ما ذكره الحافظ ابن عساكر.
قال : وكان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف فيما يخصه إلا من ملك اشتراه من سهمه من غنائم الكفار ، وكان يحضر الفقهاء ويستفتيهم فيما يحل له من تناول الأموال ، فأفتوه من جهات عينوها ، فلم يتعد إلى غيرها ، ولم يلبس حريرا قط ولا ذهبا ولا فضة ، ومنع من بيع الخمر في