وصلى ودعا ، فلما بلغ أمير مكة ذلك نزل إلى خدمته وحمل المفاتيح واعتذر ، وقال خفت منك ، والآن فأنا تحت طاعتك ، فقال : إذا أخذت منك مفاتيح مكة فلمن أعطيها؟ ثم خلع عليه وعلى أصحابه وطيب قلوبهم ، وسار إلى اليمن ، فانهزم عبد النبي بين يديه إلى زبيد ، وكان أبوه المسمى بالمهدي قد فتح البلاد ، وقتل خلقا كثيرا ، وشق بطون الحوامل وذبح الأطفال على صدورهن ، وكان يرى رأي القرامطة ، ويظهر أنه داعية لأهل مصر ويستتر باليمن ، وكان قد مات قبل دخول شمس الدولة اليمن بسنين ، وملك بعده ولده عبد النبي ، ففعل باليمن ما فعله أبوه وسبى نساءهم واستعبدهم ، وكان أبوه لما مات بنى عليه قبة عظيمة وصفح حيطانها بالذهب الأحمر والجواهر ظاهرا وباطنا بحيث لم يعمل في الدنيا مثلها ، وجعل فيها قناديل الذهب وستور الحرير ، ومنع أهل البلد من زبيد إلى حضر موت أن يحجوا إلى الكعبة ، وأمرهم بالحج إلى قبر أبيه ، وكانوا يحملون إليها الأموال في كل سنة ما لا يحد ولا يحصى ، ويطوفون حولها مثل ما يطوفون بالكعبة ، ومن لم يحمل مالا قتله ، وكانوا يقصدونها من الشحر ، فاجتمع فيها أموال عظيمة ، وأقام عبد النبي على الظلم والفسق والفجور وذبح الأطفال وسفك الدماء وسبي النساء إلى أن دخل شمس الدولة اليمن ، وجاء إلى زبيد فيقال أنه حصر عبد النبي فيها وابنه وقيده وقتله ، وقد ذكرناه ، ويقال إنه انهزم بين يديه ، وجاء إلى قبة أبيه فهدمها وأخذ ما فيها من المال والجواهر والفضة ، وكان على ستمائة جمل ، ونبش القبر وأحرق عظام أبيه وذراها في الريح ، ومضى إلى صنعاء ، فحلف شمس الدولة لا ينتهي عنه حتى يقتله ويحرقه كما فعل بأبيه ، وسار خلفه فرجع إلى زبيد ، وعاد شمس الدولة إليها فظفر به فأخذ ما كان معه ، وقتله.
فصل
وفيها توفي أبو القاسم نور الدين محمود بن زنكي بن أقسنقر ، الملك العادل.