اليتامى وزوج الأرامل وأغنى الفقراء ، وكشف المظالم بحيث لم يبق في بلاده مظلمة إلا وردها ، وبعث محمد بن خالد القيسراني أمينا على مال القصر ، ومستوفيا لحواصل البلاد ، فأكرمه صلاح الدين ، وقال : نحن مماليك نور الدين افعل ما أمرك ، إلا أن جماعة من الأكابر قد تصرفوا في أماكن لا يمكن انتزاعها منهم ولا يرضون بأن ينقص انتفاعها ، فعلم ابن خالد ان طاعته إنما هي مخادعة ومراوغة ، فسكت ولم يشافهه ، ومات نور الدين في شوال وبطل ذلك الأمر.
وفيها قبض صلاح الدين على جماعة من أعيان الدولة المصرية مثل داعي الدعاة وعمارة اليمني وغيرهما ، بلغه أنهم يجتمعون لاثارة الفتن ، واتفقوا على السودان وكاتبوا الفرنج ، وأنهم يريدون قتل صلاح الدين والغزّ ، ورتبوا مع السودان يبكروا وينادوا بشعار المصريين ، وكان زين الدين ابن نجية الواعظ قد اطلع على ذلك ، فخاف من صلاح الدين ، فأنهى إليه الحال ومادبروا فقبض عليهم ، وقتل داعي الدعاة وصلب عمارة وسنذكره.
فصل
وفيها توفي عبد النبي بن مهدي
وقفت على تاريخ بمصر فرأيت أن شمس الدولة لما سار إلى اليمن ، وكان أعيانها قد كتبوا إلى صلاح الدين يسألونه أن يبعث إليهم بعض أهله ، فلما وصل شمس الدولة إلى مكة صعد صاحبها إلى أبي قبيس فتحصن عليه بقلعة بناها ، وأغلق باب الكعبة ، وأخذ المفاتيح ، فجاء شمس الدولة فطاف بالبيت وصلى ركعتين ، وصعد إلى باب الكعبة ، وقال : اللهم ان كنت تعلم أني جئت إلى هذه البلاد لاصلاح العباد ، وتعهدها فيسر علي فتح الباب ، وإن كنت تعلم أني جئت لغير ذلك فلا تفتحه ، ومد يده فجذب القفل فانفتح ، فدخل شمس الدولة إلى البيت