نور الدين فاسترجع وخاف عليها ، وجاءته كتب العاضد وشاور ، فقال نور الدين لأسد الدين : خذ العساكر وتوجه إليها ، وقال لصلاح الدين : اخرج معه فامتنع ، وقال : يا مولانا يكفي مالقينا من الشدائد ، فقال : لابد من خروجك ، فما أمكنه مخالفة نور الدين فساروا إلى مصر ، وبلغ الفرنج فرجعوا إلى الساحل ، وقيل إن شاور أعطاهم مائة ألف دينار ، وجاء أسد الدين فنزل على باب القاهرة ، فاستدعاه العاضد إلى القصر وخلع عليه في الايوان خلع الوزراء ، وسر أهل مصر بوصوله.
وقيل انه لم يستدعه وإنما بعث إليه بالخلع والأموال والاقامات ، وللأمراء الذين معه ، وأقام مكانه وأرباب الدولة يترددون إلى خدمته كل يوم وشاور لم يقدر على منعهم لكثرة العساكر وكون العاضد مائلا إلى أسد الدين ، فكاتب الفرنج واستدعاهم وقال يكون مجيئكم إلى دمياط في البحر والبر ، وبلغ أعيان المصريين فاجتمعوا عند أسد الدين وقالوا : شاور هو فساد العباد والبلاد ، وقد كاتب الفرنج وهو يكون سبب هلاك الاسلام ، ثم إن شاور خاف لما تأخر وصول الفرنج فشرع في عمل دعوة لأسد الدين والأمراء ويقبضهم ، فنهاه ابنه الكامل وقال : والله لئن لم تنته من هذه لأعرفن أسد الدين ، فقال له شاور : والله لئن لم أفعل هذا لنقتلن كلنا ، فقال له ابنه لأن نقتل والبلاد بيد المسلمين ، خير من أن نقتل والبلاد بيد الفرنج ، وكان أسد الدين قد شارط لشاور ثلث البلاد ، فأرسل أسد الدين يطلب منه المال فجعل يتعلل ويماطل وينتظر وصول الفرنج إلى البلاد فقتلوه ، وسنذكره في موضعه ، ولما قتل بعث العاضد منشورا بالوزارة لأسد الدين بخط الفاضل وعليه بخط العاضد نسخة الأيمان إلى أسد الدين ، وحلف كل واحد لصاحبه بالوفاء والطاعة والصفاء ، فتصرف أسد الدين شهرين ومات ، ولما احتضر أوصى لابن أخيه صلاح الدين ، فاختلف عليه جماعة من الأمراء وسنذكره في عقيب وفاة أسد الدين ، وبلغ نور الدين اتفاق الأمراء على صلاح الدين في ذلك. انتهى.