غربي مصر على البحر ، وكان شاور قد أعطى الفرنج الأموال وأقطعهم الاقطاعات ، وأنزلهم دور القاهرة ، وبنى لهم أسواقا ، وكان يتقدمهم الملك مرى وابن بيرزان ، فأقام أسد الدين على الجيزة شهرين ، ثم عدى إلى بر مصر والقاهرة في خامس عشرين جمادى الآخرة.
ذكر وقعة البابين
ولما عدى أسد الدين صعد إلى البابين ، وخرج شاور والفرنج ورتب العساكر ، فجعل الفرنج في الميمنة مع ابن بيرزان ، وعسكره في الميسرة ، وأقام الملك مري في القلب في شوكة الفرنج والخيالة ، ورتب أسد الدين عساكره فجعل صلاح الدين في الميمنة ، والأكراد في الميسرة ، وأسد الدين في القلب ، فحمل الملك مري على القلب فتعتعه ، وكانت أثقال المسلمين خلفهم ، فاشتغل الفرنج بالنهب ، وحمل صلاح الدين على شاور فكسره ، وفرق جمعه ، وعاد أسد الدين إلى صلاح الدين ، فحملا على الفرنج فانهزموا فقتلوا منهم ألوفا ، وأسروا مائة وسبعين فارسا ، وطلبوا القاهرة ، فلو ساق أسد الدين خلفهم لملك القاهرة ، وإنما حول إلى الاسكندرية فتلقاه أهلها طائعين ، وولى عليها ابن أخيه صلاح الدين ، فأقام بها ، وسار أسد الدين إلى الصعيد ، واستولى عليه ، وأقام يجمع أمواله ويجبي خراجه.
وخرج شاور والفرنج من القاهرة فحصروا الاسكندرية ، فأقاموا عليها أربعة أشهر ، وأهلها يقاتلون مع صلاح الدين ويقوونه بالمال ، وبلغ أسد الدين فجمع عرب البلاد ، وسار إلى الاسكندرية ينجد صلاح الدين ، وعاد شاور إلى القاهرة ، وراسل أسد الدين وأعطاه إقطاعا بمصر وعجل له مالا فعاد إلى الشام ، وصلاح الدين يتبعه ، واعتذر إلى نور الدين بكثرة الفرنج والمال ورأى صلاح الدين ما فعله أهل الاسكندرية ، فلما ملك أحسن إليهم وسنذكره.