ونجا ، وخرج نور الدين من خيمته وعليه قباء فركب نور الدين فرس النوبة وفي رجله شبحة قطعها كردي فنجا نور الدين ، وقتل الفرنج وأسروا خلقا عظيما ، واستولوا على العسكر بما فيه ، وكان من قلة الحزم حيث غفلوا عن العدو ، ولم يستظهروا باليزك والطلائع ، وجاء نور الدين إلى حمص فلم يدخلها ، واجتمع إليه من نجا من المعركة ، وأرسل إلى حلب ودمشق ، وأحضر الخيام والسلاح والخيل وفرقها في الناس ، ومن قتل أبقى أقطاعه على ولده ، والا فأهله وكان من عزم الفرنج قصد حمص ، فلما بلغهم نزول نور الدين على البحيرة قالوا : ما فعل هذا الا عن قوة فتوقفوا وفرق في يوم واحد مائتي ألف دينار ، وجاء رجل وادعى أنه ذهب له شيء كثير وكان الأمر بخلافه ، فكتب النواب إلى نور الدين أنه مبطل في دعواه ، فكتب إليهم لا تكدروا عطاءنا فإني أرجو من الله الأجر على القليل والكثير ، وكتب إليه النواب إن الإدارات والوقوف كثيرة في البلاد على الفقراء والفقهاء والصوفية ، ولو حملناها إليك في هذا الوقت لاستعنت بها وتعيد العوض ، فغضب وكتب إليهم : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٨) وهل أرجو النصر إلا بهؤلاء ، وهل تنصرون إلا بضعفائكم ، فكتب النواب إليه فإذا لم تغير عليهم شيئا ، وقد وقعت في هذه الورطة العظيمة ، فلو أمرتنا لاقترضنا من أرباب الأموال ما نستعين به على جهاد العدو فقد نفدت الخزائن ، ويطمع العدو في الاسلام ، فبات مفكرا وقال في نفسه : نقترض ثم ندفع العوض ، ثم قال : ما أفعل ، وبات قلقا إلى وقت السحر فنام فرأى انسانا ينشد :
احسنوا مادام أمركم |
|
نافذا في البدو والحضر |
واغنموا أيام دولتكم |
|
انكم منها على خطر |
فقام مرعوبا مستغفرا مما خطر له وعلم أن هذا تنبيه من الله تعالى ، فكتب إليهم : لا حاجة لي في أموال الناس وعاد الفرنج إلى بلادهم.