السنة التاسعة والخمسون وخمسمائة
وفيها حارب أمير ميران أخاه نور الدين ، فكسره نور الدين ، وسنذكره في ترجمة أمير أميران في السنة الآتية.
وفيها فتحت حارم في شهر رمضان في هذه السنة وكان السبب فيه ان نور الدين لما أصابه بالبقيعة ما اصابه بعث إلى ملوك الأطراف : إلى أخيه قطب الدين بالموصل ، وفخر الدين قرا أرسلان بالحصن ، ونجم الدين ألبي بماردين ، وغيرهم يطلب النجدة ، فأخبره نجم الدين بأنه جمع العساكر مجدا وعلى مقدمته زين الدين علي كوجك ، وأما فخر الدين قرا أرسلان فقال له أصحابه : على أي شيء قد عزمت؟ قال : على القعود فإن نور الدين قد أثر فيه الصوم والصلاة فهو يلقي نفسه والناس معه في المهالك ، فوافقوه.
فلما كان من الغد نادى في عسكره بالمسير إلى الغزاة فقيل له في ذلك فقال : إن نور الدين قد كاتب زهاد بلادي المنقطعين عن الدنيا وذكر لهم ما جرى على المسلمين من الفرنج ، وطلب منهم الدعاء وسألهم أن يحثوا المسلمين على الجهاد ، وقد قعد كل واحد معه جماعة يقرؤون كتب نور الدين ويبكون ويدعون له وعلي ، فإن تأخرت خرج أهل بلادي عن طاعتي ، ثم سافر بنفسه ، ولما اجتمعت العساكر على حلب سر نور الدين بقدومها ، وسار على حارم فنازلها ، فبلغ الفرنج فحشدوا وجاؤوا في ثلاثين ألفا وفيهم البرنس صاحب أنطاكية ، والقومص صاحب طرابلس وابن جوسلين والدوك ، وهو رئيس القوم ، وكان فيهم من الرجالة مالا يحصى ، ولما تراءى الجمعان صعد نور الدين على تل عال فشاهد من الفرنج ما أذهله وهاله ، فنزل وانفرد عن العساكر ، ونزل عن فرسه وصلى ركعتين ومرغ وجهه على التراب وبكى ، وقال : يا سيدي هذا الجيش جيشك ، والدين دينك ، ومن محمود في الناس ، افعل ما يليق بك.