وفي جمادى الأولى من السنة ، في أوله تناصرت الأخبار المبهجة ، من ناحية العسكر المنصور الملكي النوري بأعمال حلب ، بتواصل الأمراء المقدمين ، ولاة الأعمال ، المجاهدة في أحزاب الكفرة الضلال من الروم والأفرنج ، لقصد الأعمال الإسلامية ، والطمع في تملكها ، والإفساد فيها ، والحماية لها من شرهم ، والذب عنها من مكرهم ، في التناهي في الكثرة ، والأعداد الدثرة ، فقضى الله بحسن لطفه بعباده ، ورحمته ، ورأفته ببلاده ، أن سهل للعزائم المنصورة الملكية النورية ، من صائب الرأي والتدبير ، وحسن السياسة والتقرير ، وخلوص النية لله تعالى ، وحسن السريرة ، بحيث المهادنة المؤكدة ، والموادعة المستحكمة بين الملك العادل نور الدين وملك الروم ، ما لم يكن في الحساب ، ولا خطر ببال ، بحيث انتظمت الحال في ذلك ، في عقد السداد ، وكنه المراد ، بحسن رأي ملك الروم ، ومعرفته بما تؤول إليه عواقب الحروب ، وتيسر الأمل المطلوب ، بعد تكرر المراسلات ، والاقتراحات في (١٩٥ و) التقريرات ، وأجيب ملك الروم إلى ما التمسه من إطلاق مقدمي الأفرنج المقيمين في حبس الملك نور الدين ، وأنفذهم بأسرهم ، وما اقترحه إليه ، وحصولهم لديه ، وقابل ملك الروم هذا الفضل ، بما يضاهيه ، أفعال عظماء الملوك الأسداء ، من الاتحاف بالأثواب الديباج الفاخرة ، المختلفة الأجناس ، الوافرة العدد ، ومن جوهر نفيس ، وخيمة من الديباج ، لها قيمة وافرة ، وما استحسن من الخيول الجبلية ، ثم رحل عقيب ذلك في عسكره من منزله ، عائدا إلى بلاده ، مشكورا محمودا ، ولم يؤذ أحدا من المسلمين ، في العشر الأوسط من جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، فاطمأنت القلوب بعد انزعاجها وقلقها ، وأمنت عقيب خوفها وفرقها ، فلله الحمد على هذه النعمة حمد الشاكرين.
وورد الخبر بعد ذلك بأن الملك العادل نور الدين ، صنع لأخيه قطب الدين ولعسكره ، ولمن ورد معه من المقدمين والولاة