إلى أخيه قطب الدين ، وفارقوه ، وقد برز في عسكره ، متوجها إلى ناحية دمشق ، فلما فصل عن الموصل ، اتصل به خبر عافية الملك نور الدين ، فأقام بحيث هو ، ونفذ الوزير جمال الدين أبا جعفر محمد بن علي ، لكشف الحال ، فوصل إلى دمشق في يوم السبت الثامن من صفر سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، في أحسن زي ، وأبهى تجمل ، وخرج إلى لقائه الخلق الكثير ، وهذا الوزير قد ألهمه الله تعالى من جميل الأفعال ، وحميد الأخلاق ، وكرم النفس وإنفاق ماله في أبواب البر والصلات والصدقات ، ومستحسن الآثار في مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم ومكة والحرم والبيت [المعظم شرفه الله تعالى](١) ما قد شاع ذكره ، وتضاعف عليه مدحه وشكره ، واجتمع مع الملك العادل نور الدين ، وجرى بينهما من المفاوضات والتقريرات ، ما انتهى عوده إلى جهته ، بعد الإكرام له ، وتوفيته حقه من الاحترام ، وأصحبه برسم قطب الدين أخيه ، وخواصه من الملاطفة ، ما اقتضته الحال الحاضرة ، وتوجه معه الأمير الأسفهسلار أسد الدين شيركوه ، في خواصه يوم السبت النصف من صفر ، من السنة المذكورة.
وقد كان وصل من ملك الروم رسول من معسكره ، ومعه هدية أتحف بها الملك العادل ، من أثواب ديباج ، وغير ذلك ، وجميل خطاب ، وفعال (٢) وقوبل بمثل ذلك ، وعاد إليه في أواخر صفر من السنة ، وحكي عن ملك الأفرنج ـ خذله الله ـ أن المصالحة بينه وبين ملك الروم ، تقررت ، والمهادنة انعقدت ، والله يرد بأس كل واحد منهما إلى نحره ، ويذيقه عاقبة غدره ومكره ، وما ذلك على الله بعزيز.
وفي العشر الثاني من صفر من السنة توجه الحاجب محمود المسترشدي إلى مصر عائدا مع رسلها ، كتب الله سلامتهم ، بجرايات ما
__________________
(١) زيد ما بين الحاصرتين من الروضتين : ١ / ١٢٢.
(٢) في الأصل «وبغال» وهي تصحيف صوابه من الروضتين : ١ / ١٢٣.