يرجع إليه من عقل وسداد ودين ، وصحة اعتقاد بأن يكون في منصبي بعدي ، والساد لثلمة فقدي ، فكونوا لأمره بعدي طائعين ، ولحكمه سامعين ، واحلفوا له بصحة من نياتكم وسرائركم ، وإخلاص من عقائدكم وضمائركم ، فقالوا : أمرك المطاع ، وحكمك المتبع ، فحلفوا الأيمان المؤكدة على العمل بشروطها ، واتباع رسومها مسرعا ، ثم تفضل الله تعالى عليه ، وعلى كافة المسلمين ببدوء الإبلال من المرض ، وتزايد القوة في النفس والجسم وجلس للدخول إليه ، والسلام عليه ، فسرت النفوس بهذه النعمة ، وقويت بتجديدها.
وكان الأمير مجد الدين ، النائب في حلب ، قد رتب في الطرقات ، من يحفظ السالكين فيها ، فظفر المقيم في منبج برجل حمال من أهل دمشق ، يعرف بابن مغزو ، معه كتب ، فأنفذه بها إلى مجاهد الدين ، متولي حلب ، فلما وقف عليها أمر بصلب متحملها ، وأنفذها في الحال إلى الملك العادل نور الدين ، فلما وقف عليها في يوم الخميس من العشر الثاني من المحرم من السنة الجديدة ، وجدها من أمين الدين زين الحاج أبي القاسم ، متولي ديوانه ، ومن عز الدين متولي ولاية القلعة مملوكه ، ومن محمد جغري أحد حجابه ، إلى أخيه نصرة الدين أمير ميران ، صاحب حران ، بإعلامه بوقوع اليأس من أخيه الملك العادل ، ويحضونه على المبادرة والإسراع إلى دمشق ، لتسلم إليه ، فلما عرف ذلك ، عرض الكتب على أربابها ، فاعترفوا باعتقالهم ، وكان في جملتهم الرابع لهم سعد الدين عثمان ، وكان قد خاف ، فهرب قبل ذلك بيومين ، وورد في الحال كتاب صاحب قلعة جعبر يخبر بقطع نصرة الدين مجدا إلى دمشق ، فأنهض أسد الدين في العسكر المنصور ، لرده ومنعه من الوصول ، فاتصل به خبر عوده إلى مقره ، عند معرفته بعافية الملك العادل أخيه ، فعاد أسد الدين في العسكر إلى البلد.
ووصلت رسل الملك من (١٩٤ و) ناحية الموصل بجواب ما تحملوه