واللبني والبنكي ، واكتست الأراضي المنخفضة والبقاع ، بخضرة الزرع ، وعشب النبات ، وأشبعت السائمة بعد الضعف والسغب ، وأراحتها من كلفة العناء والتعب ، وكذلك سائر المواشي الراعية ، والوحوش القاصية والدانية ، وتناصرت الأخبار من سائر الجهات ، بعموم هذه النعمة ، وذكر الشيوخ أنهم لم يشاهدوا مثل ذلك في السنين الخالية ، فلله على (نعمته) (١) خالص الحمد ، ودائم الشكر.
ودخلت سنة أربع وخمسين وخمسمائة
أولها يوم الجمعة مستهل المحرم منها ، وفي هذا اليوم وافت زلزلة عظيمة ضحى نهاره ، وسكنها محركها بقدرته ورحمته ، وتلاها في يومها ثنتان دونها.
وكان في أوائل أيام من ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، قد عرض للملك العادل نور الدين مرض تزايد به ، بحيث أضعف قوته ، ووقع الإرجاف به من حساد دولته ، والمفسدين من عوام رعيته ، وارتاعت الرعايا ، وأعوان الأجناد ، وضاقت صدور قطان الثغور والبلاد ، خوفا عليه ، وإشفاقا من سوء يصل إليه ، لا سيما مع أخبار الروم ، والخبر من الفرنج ، خذلهم الله ، ولما أحس من نفسه بالضعف ، تقدم إلى خواص أصحابه ، وقال لهم : إنني قد عزمت على وصية إليكم بما قد وقع في نفسي ، فكونوا لها سامعين مطيعين ، وبشروطها عاملين ، فقالوا : السمع والطاعة لأمرك ، وما تقرره من رأيك وحكمك ، فإنا له قابلون ، وبه عاملون ، فقال : إني مشفق على الرعايا وكافة (١٩٣ ظ) المسلمين ممن يكون بعدي من الولاة الجاهلين ، والظلمة الجائرين ، وإن أخي نصرة الدين أمير ميران أعرف من أخلاقه ، وسوء أفعاله ما لا أرتضي معه بتوليته أمرا من أمور المسلمين ، وقد وقع اختياري على أخي الأمير قطب الدين مودود بن عماد الدين ، متولي الموصل ، وخواصه ، لما
__________________
(١) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق.