فلما مضت أيام من شهر رمضان من سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة عرض للملك العادل نور الدين ابتداء مرض حاد ، فلما اشتد به ، وخاف منه على نفسه ، استدعى أخاه نصرة الدين أمير ميران ، وأسد الدين شيركوه ، وأعيان الأمراء ، والمقدمين ، وأوصى إليهم ما اقتضاه رأيه واستصوبه ، وقرر معهم كون أخيه نصرة الدين القائم في منصبه من بعده ، والساد لثلمة فقده لاشتهاره بالشهامة وشدة البأس ، ويكون مقيما بحلب ، ويكون أسد الدين في دمشق في نيابة (١٩٠ و) نصرة الدين ، واستحلف الجماعة على هذه القاعدة ، فلما تقررت هذه القاعدة ، اشتد به المرض ، فتوجه في المحفة إلى حلب ، وحصل في قلعتها ، وتوجه أسد الدين إلى دمشق لحفظ أعمالها من فساد الأفرنج ، وقصد أعمال الملاعين في أواخر شوال من السنة ، وتواصلت عقيب هذه الحال الأراجيف بالملك نور الدين ، فقلقت النفوس ، وانزعجت القلوب ، فتفرقت جموع المسلمين ، واضطربت الأعمال ، وطمع الأفرنج ، فقصدوا مدينة شيزر ، وهجموها وحصلوا فيها فقتلوا وأسروا ، وانتهبوا ، وتجمع من عدة جهات خلق كثير من رجال الاسماعيلية وغيرهم ، فاستظهروا عليهم ، وقتلوا منهم ، وأخرجوهم من شيزر.
واتفق وصول نصرة الدين إلى حلب ، فأغلق والي القلعة مجد الدين في وجهه الأبواب ، وعصى عليه فثارت أحداث حلب ، وقالوا : هذا صاحبنا وملكنا بعد أخيه ، وزحفوا في السلاح إلى باب البلد ، فكسروا أغلاقه ، ودخل نصرة الدين في أصحابه ، وحصل في البلد ، وقامت الأحداث على والي القلعة باللوم والإنكار والوعيد ، واقترحوا على نصرة الدين اقتراحات من جملتها إعادة رسمهم ، في التأذين «بحي على خير العمل ، محمد وعلي خير البشر» ، فأجابهم إلى ما رغبوا فيه ، وأحسن القول لهم ، والوعد ، ونزل في داره ، وأنفذ والي القلعة إلى نصرة الدين والحلبيين ، يقول : مولانا الملك العادل نور الدين حي في نفسه ، مقيم في