مرضه ، وما كان إلى ما فعل حاجة تدعو إلى ما كان ، فقيل الذنب في ذاك إلى الوالي ، وكتم الحال ، وصعد إلى القلعة من شاهد نور الدين حيا يفهم ما يقول ، وما يقال له ، فأنكر ما جرى ، وقال : الآن أنا أصفح للأحداث عن هذا الخطل ، ولا أواخذهم بالزلل ، وما طلبوا إلا صلاح حال أخي ، وولي عهدي من بعدي.
وشاعت الأخبار وانتشرت البشارات في الأقطار ، بعافية الملك نور الدين ، فأنست القلوب بعد الاستيحاش ، وابتهجت النفوس بعد القلق والانزعاج ، وتزايدت العافية ، وصرفت الهمم إلى مكاتبات المقدمين بالعدو إلى جهاد الملاعين ، وكان نصرة الدين قد ولي مدينة حران وأضيف إليها ، وتوجه نحوها ، وكان الغيث قد أمسك عن أعمال حوران ، وعزم أهلها على (١٩٠ ظ) النزوح من ضياعها لعدم ماء شربهم ، وبعده عنهم ، وكذلك سائر الأعمال ، فلطف الله تعالى بعباده وبلاده ، فأرسل عليهم في العشر الآخر من كانون الثاني من السنة الشمسية ، والموافق للعشر الآخر من ذي الحجة من السنة القمرية ، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة من الغيث الهطال المتدارك ، والثلج المتتابع ، ما روى الوهاد والآكاد ، وجرت به أودية حوران ، ودارت أرحيتها ، وانتعشت زروعها ، وأنبتت بالغيث سباخها ، فلله تعالى الحمد على هذه النعمة التي لا يحصى لها عدد ، ولا يحصر لها أمد.
ولما تناصرت الأخبار بالبشائر إلى أسد الدين بدمشق بعافية الملك العادل نور الدين ، واعتزامه على استدعاء عساكر الإسلام لجهاد أعداء الله والمقيمين بالشام ، سارع بالنهوض من دمشق إلى ناحية حلب ، ووصل إليها في خيله ، واجتمع مع الملك العادل نور الدين ، فأكرم لقياه ، وشكر مسعاه ، وشرعوا في حماية الأعمال من شر عصب الكفر والضلال ، بما يعود بصلاح الأحوال ، والله المسهل لنيل المباغي والآمال ، بمنه وفضله ، ونظمت هذه الأبيات في هذا المعنى :