ابن عمر البلخي ، (ووعظ) (١) في جامع دمشق عدة أيام ، والناس يستحسنون وعظه ، ويستطرفون فنه ، وسلاطة لسانه ، وسرعة جوابه ، وحدة خاطره ، وصفاء حسه ، ونظمت في صفاته هذه الأبيات :
نظام الدين أفضل من رأينا |
|
من العلماء في عرب وعجم |
وأبهى منهم لفظا وخطا |
|
بحسن بلاغة وصفاء فهم (١٨٩ ظ) |
يفوق فصاحة قسا ويوفي |
|
عليه عند منثور ونظم |
إذا رام البديع من المعاني |
|
أتاه مسرعا كالغيث يهمي |
فليس له مجار في فنون |
|
حوى إحسانها من كل علم |
إذا وعظ الإمام سمعت وعظا |
|
يحط العصم من قال الأشم |
ويخرق حسن منطقه إذا ما |
|
تكرر حسنه سمع الأصم |
له الشرف الرفيع إذا تناهت |
|
مفاخرة الشراف بكل قرم |
وما ألفيت من يحظى بمدح |
|
سواه إذا مضى في المدح عزمي |
وما سمحت لغير علاه نفسي |
|
على ضني به عن كل فدم |
فلا زالت مطايا المدح تسري |
|
إليه وقد خلا من كل ذم |
مدى الأيام ما هتفت هتوف |
|
على غصن بغض النور ينمي |
قد تقدم من ذكر الملك العادل نور الدين في نهوضه من دمشق في عساكره إلى بلاد الشام ، عند انتهاء الخبر إليه ، بتجمع أحزاب الأفرنج خذلهم الله ، وقصدهم لها ، وطمعهم فيها ، بحكم ما حدث من الزلازل والرجفات المتتابعة بها ، وما هدمت من الحصون والقلاع والمنازل في أعمالها وثغورها ، لحمايتها ، والذب عنها ، وإيناس من سلم من أهل حمص وشيزر ، وكفرطاب ، وحماة وغيرها ، بحيث اجتمع إليه الخلق الكثير ، والجم الغفير ، من رجال المعاقل والأعمال ، والتركمان ، وخيم بهم بإزاء جمع الأفرنج في الأعداد الدثرة ، والتناهي في الكثرة بالقرب من أنطاكية ، وحصرهم بحيث لم يقدر فارس منهم على الإقدام على الإفساد.
__________________
(١) زيد ما بين الحاصرتين من الروضتين : ١ / ١١٤.