علت سنه ضعفت قوته وآلته عن السعي إلا في ركوب الخيل ، وألجأته الضرورة إلى الحمل في المحفة لتقرير الأحوال ، والنظر في (١٨٩ و) الأعمال ، ولم ينقص من حسه وفهمه ما ينكر عليه إلى حين وفاته ، وخلفه من بعده أولاده في منصبه وولايته.
وفي يوم الجمعة انسلاخ ذي القعدة من السنة ، بعد مضي تقدير ساعتين منه ، وافت زلزلة رجفت بها الأرض ، وانزعج الناس لها ، ثم سكنت بقدرة المحرك لها ، وحكمته البالغة ، فله الحمد على لطفه بعباده ، تبارك الله رب العالمين.
وفي أيام من شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ، ورد إلى دمشق أمير من أئمة فقهاء بلخ ، في عنفوان شبابه ، وغضارة عوده ، ما رأيت أفصح من لسانه ببلاغته العربية والفارسية ، ولا أسرع من جوابه ببراعته ، ولا أطيش من قلمه في كتابته ، فقلت ما ينبغي أن يهمل إثبات اسم هذا الأمير الإمام في هذا التاريخ المصنف لأنني ما رأيت مثله ، ولا شاهدت شبيها له ، فالتمست نعوته التي بها يعرف ، وإليه تنسب فأنفذ إليّ كتابا قد كتب عن السلطان غياث الدنيا والدين أبي شجاع محمود بن محمد ابن ممدود قسيم أمير المؤمنين في الطغراء ، وكتاب وزيره محمود بن سعد ابن عبد الواحد مخلص أمير المؤمنين إلى الملك العادل نور الدين ملك الشام ، وكلاهما ينطق بحسن صفاته ، واحترامه ، والوصية المؤكدة بإكرامه ووصفه بنعوته المكملة ، وهي : الأمير الإمام الأجل العالم المحترم الأخص ، الحميد الأعز ، نظام الدين ، عماد الإسلام ، تاج الملوك والسلاطين ، ملك الكلام ، بستان العالم ، أفصح العرب والعجم ، أعجوبة الدهر ، كريم الأطراف ، فخر الأسلاف ، افتخار ما وراء النهر ، تاج العراق ، سراج الحرمين ، مقتدى الأئمة ، مرتضى الخلافة ، رئيس الأصحاب شرقا وغربا ، مهذب الأئمة والأفاضل ذو المناقب والفضائل ، نادر الزمان ، نسيب خراسان ، أبو الحياة محمد بن أبي القاسم