رجفت لها الأرض ، ووجلت لها القلوب ، وتبعها عدة أخف من الأولى ، وفي غد هذا اليوم بعد مضي تقدير ساعتين منه ، وافت زلزلة وأخرى في إثرها ، وسكنهن المحرك لهن بقدرته وحكمته ، وسلم منهن برحمته ورأفته ، سبحانه وتعالى الرؤوف الرحيم.
وكان الغيث قد احتبس وسميه عن العادة المعروفة ، واحتاج ما بذر من الغلال إلى سقيه ، وضاقت الصدور لذلك ، وقنطت النفوس ، ثم بعث الله برحمته لخلقه ، في أول ذي القعدة منه ما روى الوهاد والآكام ، وعم حوران وسائر البقاع ، وسرت بذلك النفوس ، وانحط سعر الغلة بعد ارتفاعه ، فلله الحمد على إنعامه على عبيده ، وله الشكر.
وفي ليلة الجمعة الثالث والعشرين من ذي القعدة التالي لما تقدم بعد مضي ساعة منها ، وافت زلزلة روعت القلوب ، وهزت المنازل والمساكن ، ثم سكنها محركها بقدرته القاهرة ، ورحمته الواسعة ، فله الحمد والشكر رب العالمين.
وفي ليلة الأحد الخامس والعشرين من الشهر المذكور ، التالي ليوم الجمعة المقدم ذكره وافت في أوائلها زلزلة أزعجت وأقلقت ، ثم تلاها ثانية عند انتصافها أعظم منها ، نفر الناس من هولها إلى الجامع والأماكن المنكشفة ، وضجوا بالتكبير والتهليل والتسبيح والدعاء إلى الله تعالى والتضرع إليه ، ثم وافى بعد تلك الثانية ثالثة دونها ، عند تصرم الليل ، ثم وافى بعد الثالثة رابعة دونها ، ثم خامسة ، وسادسة ، ثم سكنت بقدرة محركها ، ولم تؤثر أثرا منكرا في البلد ، فلله الحمد تعالى أمره ، وعظم شأنه.
وفي أوائل ذي القعدة من هذه السنة ، ورد الخبر من حمص ، بوفاة واليها الأمير الملقب بصلاح الدين ، وكان في أيام شبوبيته قد حظي في خدمة عماد الدين أتابك زنكي صاحب حلب والشام ، رحمهالله ، وتقدم عنده بالمناصحة وسداد التدبير ، وحسن السفارة وصواب الرأي ، ولما