وفي شهر رمضان من السنة ورد الخبر من ناحية حلب ، بوفاة الشيخ الأمين مخلص الدين أبي البركات عبد القاهر بن علي بن أبي جرادة رحمهالله في العشر الثاني منه ، بمرض عرض له ، وهو الأمين على خزائن مال الملك العادل نور الدين سلطان الشام ، فراعني فقده ، والمصاب بمثله ، لأنه كان خيرا كاتبا بليغا ، حسن البلاغة نظما ونثرا ، مستحسن الفنون من التذهيب البديع ، وحسن الخط المحرر على الأصول القديمة المستظرفة ، مع صفاء الذهن ، وتوقد الفطنة والذكاء ، وكان بيني وبينه مودة محصدة (١) الأسباب في أيام الصبى وبعدها بحكم تردده من حلب إلى دمشق ، وأوجبت هذه الحال تفجعي به ، وتأسفي على مثله ، نظم هذه الأبيات أرثيه بها وأصف محاسنه فيها ، وهي :
فجعت بخل كان يونس وحشتي |
|
تذكره في غيبة وحضور |
فتى كان ذا فضل يصول بفضله |
|
وليس له من مشبه ونظير |
وقد كان ذا فضل وحسن بلاغة |
|
ونظم كدر في قلائد حور |
يفوق بحسن اللفظ كل فصاحة |
|
وخط بديع في الطروس منير |
وقد كنت ذا شوق إليه إذا نأى |
|
فقد صرت ذا حزن بغير سرور |
سأشكو زمانا روعتني صروفه |
|
بفقدي من أهوى بغير مجير |
وما نافعي شكوى الزمان وقد غدا |
|
على كل ملك في الزمان خطير |
وأجناده بالمرهفات تحوطه |
|
وكل شجاع فاتك ونصير (١٨٨ و) |
سقى الله قبرا ضمه بمجلجل |
|
بكل أصيل حادث وبكور |
ليصبح كالروض الأنيق إذا بدا |
|
بزهر يروق الناظرين نضير |
برحمة من يرجى لرحمة مثله |
|
وغفران رب للعباد غفور |
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر رمضان من السنة ، وافت في دمشق زلزلة روعت الناس وأزعجتهم لما قد وقع في نفوسهم ، مما قد
__________________
(١) أي محكمة الأسباب سديدة. القاموس.