أخويه يوسف وجبريل ، وإلى ابن عمهم صالح بن حسن ، وأنس بهم في أوقات مسراته ، فعملوا عليه ، واغتالوه وقتلوه ، وأخفوا أمره في يوم الخميس انسلاخ صفر سنة تسع وأربعين وحضر الإمام ، العادل عباس الوزير ، وولده ناصر الدين ، وجماعة من الأمراء والمقدمين للسلام على الرسم ، فقيل له : إن أمير المؤمنين ملتاث الجسم ، فطلبوا الدخول عليه لعيادته فاحتج عليهم ، فلم يقبلوا ، وألحوا في الطلب ، فظهر الأمر وانكشف ، واقتضت الحال المسارعة إلى قتل الجناة في الوقت والساعة ، وإقامة ولد الظافر عيسى ، وهو صغير يناهز ثلاث سنين ، ولقبوه الفائز بنصر الله ، وأخذ البيعة على الأجناد والعسكرية وأعيان الرعية على جاري العادة ، والعادل عباس الوزير ، وإليه تدبير الأمور ، واستمرت الأحوال على المنهاج (١).
ثم ورد الخبر بعد ذلك بأن الأمير فارس المسلمين ، طلائع بن رزيك ، وهو من أكابر الأمراء والمقدمين ، والشجعان المذكورين ، لما انتهى إليه الخبر ، وهو غائب عن مصر ، قلق لذاك ، وامتعض ، وجمع واحتشد ، وقصد العود إلى مصر ، فلما عرف عباس الوزير بما جمع ، خاف الغلبة والإقدام على الهلكة ، إذ لا طاقة له بملاقاته في حشده الكثير ، ولم يمكنه المقام على الخطار بالنفس ، فتأهب للهرب في خواصه وأسبابه ، وحرمه ووجوه أصحابه ، وما تهيأ من ماله وتجمله وكراعه ، وسار مغذا ، فلما قرب من أعمال عسقلان وغزة ظهر إليه جماعة من خيالة الأفرنج ، فاغتر بكثرة من معه ، وقلة من قصده ، فلما حملوا عليه قتل أصحابه وأعانوا عليه ، وانهزم أقبح هزيمة هو وولد له صغير ، وأسر ابنه الكبير الذي قتل ابن السلار مع ولده وحرمه وماله وكراعه ، وحصلوا في أيدي الأفرنج ، ومن هرب لقي من الجوع والعطش ، ومات العدد الكثير من الناس والدواب ، ووصل إلى دمشق منهم من نجاه الهرب ، على أشنع صفة من العدم والعري والفقر ، في أواخر شهر ربيع الآخر من السنة ،
__________________
(١) لمزيد من التفاصيل انظر اتعاظ الحنفا : ٣ / ٢٠٨ ـ ٢١٤.