وضاقت صدور المسلمين بهذه المصيبة المقضية بيد الأفرنج ، فسبحان من لا يرد له قضاء ، ولا محتوم أمر (١).
وفي آخر شهر ربيع الأول ، وصل الأمير الأسفهسلار مجد الدين أبو بكر (٢) محمد نائب المولى (١٧٨ ظ) الملك نور الدين في حلب إلى دمشق ، عقيب عوده من الحج ، وأقام أياما وعاد منكفئا إلى منصبه في حلب ، وتدبير أعمالها وتسديد أحوالها.
وفي شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، ثار في دمشق مرض مختلف الحميات منه ما يقصر ومنه ما يطول ، وأعقبه بعد ذلك موت في الشيوخ والشباب والصبيان ، ثم تقاصر ذلك.
وفي أيام من جمادى الأولى من السنة ورد الخبر من ناحية مصر ، بأن عدة وافرة من مراكب الأفرنج ، من صقلية وصلت إلى مدينة تنيس ، على حين غفلة من أهلها فهجمت عليها ، وقتلت وأسرت وسبت وانتهبت ، وعادت بالغنائم بعد ثلاثة أيام وتركتها صفرا (٣) وبعد ذلك عاد من كان هرب منها في البحر بعد الحادثة ، ومن سلم ، واختفى ، وضاقت الصدور ، عند استماع هذا الخبر المكروه.
وفي شهر رمضان ورد الخبر من ناحية حلب ، بوفاة القاضي فخر الدين أبي منصور محمد بن عبد الصمد الطرسوسي ، رحمهالله ، وكان ذا همة ماضية ، ويقظة مضيئة ، ومروءة ظاهرة في داره وولده ومن يلم به
__________________
(١) روى المقريزي خبر دخول طلائع إلى القاهرة وذكر : «وأما عباس فإنه سار بمن معه يريد أيلة ليسير منها إلى بلاد الشام ، فأرسلت أخت الظافر إلى الفرنج بعسقلان رسلا على البريد تعلمهم الحال ، وتبذل لهم الأموال في الخروج إلى عباس ، وأباحتهم جميع ما معه ، وأن يبعثوا به إلى القاهرة ، فأجابوا إلى ذلك». اتعاظ الحنفا : ٣ / ٢١٥ ـ ٢٢٠.
(٢) هو ابن الداية ، وكان نور الدين كثير الاعتماد عليه وعلى إخوته ، ويرد ذكرهم كثيرا في الأيام النورية. الروضتين ١ / ٩٩.
(٣) في الأصل : «وهي صفر» ، وهي تصحيف قوم من الروضتين : ١ / ٩٩ ، حيث رواية ابن القلانسي.