ودخلت سنة تسع وأربعين وخمسمائة
أولها يوم الأربعاء ، مستهل المحرم ، والطالع للعالم الجوزاء ، وفي العشر الثاني من المحرم منها وصل الأمير الأسفهلار أسد الدين شيركوه ، رسولا من نور الدين صاحب حلب ، إلى ظاهر دمشق ، وخيم بناحية القصب من المرج ، في عسكر يناهز الألف ، فأنكر ذاك ، ووقع الاستيحاش منه ، وإهمال الخروج إليه ، لتلقيه والاختلاط به ، وتكررت المراسلات فيما اقتضته الحال ، ولم تسفر عن سداد ولا نيل مراد.
وغلا سعر الأقوات (١٧٧ و) لانقطاع الواصلين بالغلات ، ووصل نور الدين في عسكره إلى شيركوه في يوم الأحد الثالث من صفر ، وخيم بعيون الفاسريا عند دومة ، ورحل في الغد ، ونزل بأرض الضيعة المعروفة ببيت الآبار (١) من الغوطة ، وزحف إلى البلد من شرقيه ، وخرج إليه من عسكريته وأحداثه الخلق الكثير ، ووقع الطراد بينهم ، ثم عاد كل من الفريقين إلى مكانه ، ثم زحف يوما بعد يوم ، فلما كان يوم الأحد العاشر من صفر ، للأمر المقدر المقضي ، والأمر الماضي ، وسعادة نور الدين الملك ، وأهل دمشق ، وكافة الناس أجمعين ، باكر الزحف ، وقد احتشد ، وتهيأ لصدق الحرب ، وظهر إليه العسكر الدمشقي على العادة ، ووقع الطراد بينهم ، وحملوا من الجهة الشرقية من عدة أماكن ، فاندفعوا بين أيديهم حتى قربوا من سور باب كيسان والدباغة من قبلي البلد ، وليس على السور نافخ ضرمة من العسكرية والبلدية ، لسوء تدبير صاحب الأمر ، والأقدار المقدرة ، غير نفر يسير من الأتراك المستحفظين ، لا يؤبه لهم ، ولا يعول عليهم في أحد الأبراج ، وتسرع بعض الرجالة إلى السور ، وعليه امرأة يهودية ، فأرسلت إليه حبلا ، فصعد فيه ، وحصل على السور ، ولم يشعر به أحد ،
__________________
(١) بليدة خربت ، كان من عملها المنيحة وجرمانا ودير هند وبيت سابر ، والغالب أنها التل الكبير الماثل للعيان شرقي جرمانا ، غوطة دمشق : ٢٢٣.