مقدمهم (١) صريعا بين حماته وأبطاله ، فعرف ، وقطع رأسه ، وحمل إلى نور الدين ، فوصل حامله بأحسن صلة ، وكان هذا اللعين من أبطال الأفرنج المشهورين بالفروسية ، وشدة البأس ، وقوة الحيل ، وعظم الخلقة ، مع اشتهار الهيبة ، وكبر السطوة ، والتناهي في الشر ، وذلك في يوم الأربعاء الحادي والعشرين من صفر سنة أربع وأربعين ، ثم نزل نور الدين في العسكر على باب أنطاكية ، وقد خلت من حماتها والذابين عنها ، ولم يبق فيها غير أهلها مع كثرة أعدادهم ، وحصانة بلدهم ، وترددت المراسلات بين نور الدين وبينهم في طلب التسليم إلى نور الدين ، وإيمانهم وصيانة أحوالهم ، فوقع الاحتجاج منهم بأن هذا الأمر لا يمكنهم الدخول فيه إلا بعد انقطاع آمالهم من الناصر لهم والمعين على من يقصدهم ، فحملوا ما أمكنهم من التحف والمال ، واستمهلوا فأمهلوا وأجيبوا إلى ما فيه سألوا ، ثم رتب بعض العسكر للإقامة عليها ، والمنع لمن يصل إليها.
ونهض نور الدين في بقية (١٦٥ ظ) العسكر إلى ناحية أفامية ، وقد كان رتب الأمير صلاح الدين في فريق وافر من العسكر لمنازلتها ومضايقتها ومحاربتها ، فحين علم من فيها من المستحفظين هلاك الأفرنج ، وانقطع أملهم من مواد الإنجاد وأسباب الإسعاد ، التمسوا الأمان ، فأمنوا على نفوسهم ، وسلموا البلد ، ووفى لهم بالشرط ، فرتب فيها من رآه كافيا في حفظها والذب عنها ، وذلك في الثامن عشر من شهر ربيع الأول من السنة.
وانكفأ نور الدين في عسكره إلى ناحية [أنطاكية ، وقد انتهى الخبر بنهوض الفرنج من ناحية](٢) الساحل إلى صوب أنطاكية ، لإنجاد من
__________________
(١) هو ريموند أمير أنطاكية ، استمر في حكمه ثلاث عشرة سنة ، وقد خلف وراءه زوجته كونستانس مع أربعة أولاد : ذكرين وابنتين. تاريخ وليم الصوري : ٢ / ١٩٨ ـ ٢٠٠. الباهر : ٩٨ ـ ١٠٠.
(٢) أضيف ما بين الحاصرتين من الروضتين : ١ / ٥٨ ، حيث نقل عن ابن القلانسي ، وهو خبر أورده وليم الصوري في تاريخه : ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.