بها وطلب نور الدين تسهل الفرصة في قصدهم للإيقاع بهم ، فأحجموا عن الإقدام على التقرب منه ، وتشاغلوا عنه ، واقتضت الحال مهادنة من في أنطاكية وموادعتهم ، وتقرير أن يكون ما قرب من الأعمال الحلبية له ، وما قرب من أنطاكية لهم ، ورحل عنها إلى جهة غيرهم ، بحيث قد كان في هذه النوبة قد ملك ما حول أنطاكية من الحصون والقلاع والمعاقل ، وغنم منها الغنائم الجمة ، وفصل عنه الأمير مجاهد الدين بزان في العسكر الدمشقي ، وقد كان له في هذه الوقعة ولمن في جملته البلاء المشهور ، والذكر المشكور ، لما هو موصوف به من الشهامة والبسالة وأصالة الرأي ، والمعرفة بمواقف الحروب ، ووصل إلى دمشق سالما في نفسه وجملته في يوم الثلاثاء رابع شهر ربيع الآخر من السنة ، ومن لفظه وصفته ، هذا الشرح معتمدا فيه على الاختصار دون الإكثار ، وفيه من تقوية أركان الدين وإذلال ما بقي من الكفرة الملحدين ما هو مشهور بين العباد ، وسائر البلاد ، مشكور مذكور ، والله تعالى اسمه ، عليه المحمود المشكور.
وقد مضى من ذكر معين الدين أنر فيما كان أنهضه من عسكره إلى ناحية حلب ، لإعانة نور الدين صاحبها ، على ملاقاة الأفرنج المجتمعين من أنطاكية وأعمالها للإفساد في الأعمال الشامية ، وما منح الله تعالى ، وله الحمد ، من الظفر بهم والنصر عليهم ، ما أغنى عن ذكر شيء منه ، واتفق أن معين الدين فصل عن عسكره بحوران ، ووصل إلى دمشق في أيام من آخر شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وخمسمائة ، لأمر أوجب ذاك ، ودعا إليه ، وأمعن في الأمل لعادة جرت (١٦٦ و) له فلحقه عقيب ذلك انطلاق تمادى به ، وحمله اجتهاده فيما يدبره على العود إلى العسكر بناحية حوران ، وهو على هذه الصفة من الانطلاق ، وقد زاد به ، وضعفت قوته ، وتولد معه المرض المعروف بدوسنطريا (١) وعمله في
__________________
(١) في الأصل : بجوسنطريا وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا وهو الزحار الشديد.