ومناصحته ، وتوجه في يوم [السبت](١) من العشر الأول من صفر من السنة ، وبقي معين الدين في باقي العسكر بناحية حوران ، لإيناس حلل العرب ، وحفظ أطرافهم ، وتطييب نفوسهم لنقل الغلال على جمالهم إلى دمشق ، على جاري العادة ، وحفظها والاحتياط عليها.
وفي صفر من السنة وردت البشائر من جهة نور الدين ، صاحب حلب ، بما أولاه الله ـ وله الحمد ـ من الظهور على حشد الأفرنج المخذول ، وجمعهم المفلول ، بحيث لم يفلت منهم إلا من خبر ببوارهم ، وتعجيل دمارهم ، وذلك أن نور الدين لما اجتمع إليه ما استدعاه من خيل التركمان والأطراف ، ومن وصل إليه من عسكر دمشق مع الأمير مجاهد الدين (١٦٥ و) بزان قويت بذلك نفسه ، واشتدت شوكته ، وكثف جمعه ، ورحل إلى ناحية الأفرنج بعمل أنطاكية ، بحيث صار عسكره يناهز الستة آلاف فارس مقاتلة ، سوى الأتباع والسواد والأفرنج في زهاء أربعمائة فارس طعانة ، وألف راجل مقاتلة ، سوى الأتباع ، فلما حصلوا بالموضع المعروف بإنب (٢) نهض نور الدين في العسكر المنصور نحوهم ، ولما وقعت العين على العين حمل الكفرة على المسلمين حملتهم المشهورة ، وتفرق المسلمون عليهم من عدة جهات ، ثم أطبقوا عليهم واختلط الفريقان ، وانعقد العجاج عليهم ، وتحكمت سيوف الإسلام فيهم ، ثم انقشع القتام ، وقد منح الله ، وله الحمد والشكر المسلمين النصر على المشركين ، وقد صاروا على الصعيد مصرعين وبه معفرين وبحربهم مخذولين ، بحيث لم ينج منهم إلا النفر اليسير ممن ثبطه الأجل ، وأطار قلبه الوجل ، بحيث يخبرون بهلاكهم واحتناكهم ، وشرع المسلمون في إسلابهم ، والاشتمال على سوادهم ، وامتلأت الأيدي من غنائمهم وكراعهم ، ووجد اللعين البلنس
__________________
(١) فراغ في الأصل ، والسبت يقابل العاشر من صفر ، ذلك أن ابن القلانسي نفسه وابن العديم في كتاب زبدة الحلب : ٢ / ٢٩٨ أوردا أن نور الدين اشتبك مع الفرنجة «يوم الأربعاء حادي وعشرين من صفر». انظر أيضا الكواكب الدرية : ١٣٠.
(٢) حصن من أعمال عزاز في جهات حلب. ياقوت.