ودخلت سنة أربع وأربعين وخمسمائة
وأولها يوم الأربعاء الحادي عشر من أيار ، قد كان كثر فساد الأفرنج المقيمين بصور وعكا والثغور الساحلية ، بعد رحيلهم عن دمشق ، وفساد شرائط الهدنة المستقرة بين معين الدين وبينهم ، بحيث شرعوا في الفساد في الأعمال الدمشقية ، فاقتضت الحال نهوض الأمير معين الدين في العسكر الدمشقي إلى أعمالها ، مغيرا عليها وعائثا فيها ، وخيم في ناحية حوران بالعسكر ، وكاتب العرب في أواخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، ولم يزل مواصلا للغارات وشنها على (١٦٤ ظ) بلادهم وأطرافهم مع الأيام وتقضيها ، والساعات وتصرمها ، واستدعى جماعة وافرة من التركمان ، وأطلق أيديهم في نهب أعمالهم ، والفتك بمن يظفر به في أطرافهم : الحرامية ، وأهل الفساد ، والإخراب ، ولم يزل على هذه القضية لهم محاصرا ، وعلى النكاية فيهم والمضايقة لهم مصابرا ، إلى أن ألجأهم إلى طلب المصالحة ، وتجديد عقد المهادنة ، والمسامحة ببعض المقاطعة ، وترددت المراسلات في تقرير هذا الأمر ، وإحكام مشروطه وأخذ الأيمان بالوفاء بشروطه في المحرم سنة أربع وأربعين وخمسمائة ، وتقررت حال الموادعة مدة سنتين ووقعت الأيمان على ذلك ، وزال الخلف ، واطمأنت النفوس من أهل العملين بذلك ، وسكنت إلى تمامه ، وسرت بأحكامه.
ووافق ذلك تواصل كتب نور الدين صاحب حلب إلى معين الدين ، يعلمه أن صاحب أنطاكية جمع أفرنج بلاده ، وظهر يطلب بهم الإفساد في الأعمال الحلبية ، وأنه قد برز في عسكره إلى ظاهر حلب للقائه ، وكف شره عن الأعمال ، وأن الحاجة ماسة إلى معاضدته بمسيره بنفسه وعسكره إليه ، ليتفقا بالعسكرين عليه ، فاقتضت الحال أن ندب الأمير معين الدين ، الأمير مجاهد الدين بزان بن مامين ، في فريق وافر من العسكر الدمشقي ، للمصير إلى جهته ، وبذل المجهود في طاعته