عائدا إلى حلب ومعه ولد الملك وأمه ومن أسر معهما وانكفأ معين الدين إلى دمشق.
وقد كان ورد إلى دمشق الشريف الأمير شمس الدين ، ناصح الإسلام ، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبيد الله الحسيني النقيب ، من ناحية سيف الدين غازي بن أتابك ، لأنه كان قد ندب رسولا من الخلافة إلى سائر الولاة ، وطوائف التركمان لبعثهم على نصرة المسلمين ، ومجاهدة المشركين ، وكان ذلك السبب في خوف الأفرنج من تواصل الإمداد إليهم ، والاجتماع عليهم ورحيلهم على القضية المشروحة ، وهذا الشريف المذكور من بيت كبير في الشرف والفضل والأدب ، وأخوه ضياء الدين نقيب الأشراف في الموصل ، مشهور بالعلم والأدب والفهم ، وكذا ابن عمه الشريف نقيب العلويين ببغداد ، وابن عمه نقيب خراسان ، وأقام بدمشق ما أقام ، وظهر من حسن تأتيه في مقاصده ، وسداده في مصادره وموارده ، ما أحرز به جميل الذكر ، ووافر الشكر ، وعاد منكفئا إلى بغداد بجواب ما وصل (١٦٣ و) فيه يوم الأربعاء الحادي عشر من رجب سنة ثلاث وأربعين.
وفي رجب في هذه السنة ورد الخبر من ناحية حلب بأن صاحبها نور الدين أتابك ، أمر بإبطال «حي على خير العمل» في أواخر تأذين الغداة ، والتظاهر بسب الصحابة رضياللهعنهم ، وأنكر ذلك إنكارا شديدا ، وحظر المعاودة إلى شيء من هذا المنكر ، وساعده على ذلك الفقيه الإمام برهان أبو الحسن علي الحنفي وجماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية ، وأهل الشيع ، وضاقت له صدورهم ، وهاجوا له وماجوا ، ثم سكنوا ، وأحجموا بالخوف من السطوة النورية المشهورة ، والهيبة المحذورة (١).
__________________
أنر كاتب سيف الدين غازي صاحب الموصل قبل نزول الفرنج على دمشق ، يستصرخ به ويخبره بشدة بأس الفرنج ، ويقول : أدركنا ، فسار سيف الدين في عشرين ألف فارس ، فنزل بجوار بحيرة حمص».
(١) انظر تفاصيل أوسع في زبدة الحلب : ٣٢ / ٢٩ ـ ٢٩٦.