وفي رجب من هذه السنة أذن لمن يتعاطى الوعظ بالتكلم في الجامع المعمور بدمشق ، على جاري العادة والرسم ، فبدا من اختلافهم في أحوالهم وأغراضهم ، والخوض فيما لا حاجة إليه من المذاهب ، ما أوجب صرفهم عن هذه الحال ، وإبطال الوعظ لما يتوجه معه من الفساد ، وطمع سفهاء الأوغاد ، وذلك في أواخر شعبان منها.
وفي جمادى الآخرة منها ، وردت الأخبار من بغداد باضطراب الأحوال فيها ، وظهور العيث والفساد في نواحيها وضواحيها ، وأن الأمير بوزبه ، والأمير قيس ، والأمير علي بن دبيس بن صدقة اجتمعوا ، وتوافقوا في تقدير خمسة آلاف فارس ، ووصلوا إلى بغداد على حين غفلة من أهلها ، وهجموها وحصلوا بدار السلطان ، وتناهوا في الفساد والعناد ، بحيث وقعت الحرب بينهم ، وقتل من النظار وغيرهم نحو خمسمائة إنسان في الطرقات ، وأن أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله ، رتب الأجناد والعسكرية بإزائهم ، بحيث هزموهم وأخرجوهم من بغداد ، وطلبوا ناحية النهروان ، وتناهوا في العيث والإفساد في الأعمال والاستيلاء على الغلال ، وخرج أمر الخلافة بالشروع في عمارة سور بغداد ، وحفر الخنادق ، وتحصينها ، وإلزام الأماثل والتناء والتجار وأعيان الرعايا القيام بما ينفق على العمارات من أموالهم ، على سبيل القرض والمعونة ، ولحق الناس من ذلك المشقة والكلفة المؤلمة (١).
وذكر أن السلطان ركن الدين مسعود مقيم بهمذان ، وأن أمره قد ضعف عما كان ، والأقوات قد قلت ، والسعر قد غلا ، والفتن (١٦٣ ظ) قد ثارت ، والفساد في الأعمال قد انتشر ، وأن العدوان في أعمال خراسان قد زاد ، وظهر ، والفناء قد كثر.
وفي هذه السنة وردت الأخبار من ديار مصر ، بظهور بعض أولاد نزار ، واجتمع إليه خلق كثير من المغاربة وكتامة وغيرهم ، وقربوا من
__________________
(١) لمزيد من التفاصيل انظر المنتظم : ١٠ / ١٣٧ ـ ١٣٨.