المسلمون ذلك ، وبانت لهم آثارهم في الرحيل ، برزوا لهم في بكرة هذا اليوم ، وسارعوا نحوهم في آثارهم بالسهام ، بحيث قتلوا في أعقابهم من الرجال والخيول والدواب العدد الكثير ، ووجد في آثار منازلهم وطرقاتهم من دفائن قتلاهم ، وفاخر خيولهم ما لا (١٦٢ ظ) عدد له ولا حصر يلحقه ، بحيث لها أرائح من جيفهم ، تكاد تصرع الطيور في الجو ، وكانوا قد أحرقوا الربوة والقبة الممدودة في تلك الليلة ، واستبشر الناس بهذه النعمة التي أسبغها الله عليهم ، وأكثروا من الشكر له تعالى ما أولاهم من إجابة دعائهم ، الذي واصلوه في أيام هذه الشدة ، فلله على ذلك الحمد والشكر.
واتفق عقيب هذه الرحمة ، اجتماع معين الدين مع نور الدين صاحب حلب ، عند قربه من دمشق للإنجاد لها في أواخر شهر ربيع الآخر من السنة ، وأنهما قصدا الحصن المجاور لطرابلس المعروف [بالعريمة](١) وفيه ولد الملك ألفنش أحد ملوك الأفرنج المقدم ذكرهم ، كان هلك بناحية عكا ، ومعه والدته ، وجماعة وافرة من خواصه وأبطاله ، ووجوه رجاله ، فأحاطوا به ، وهجموا عليه ، وقد كان وصل إلى العسكرين النوري والمعيني فرقة تناهز الألف فارس ، من عسكر سيف الدين غازي بن أتابك ، ونشبت الحرب بينهم فقتل أكثر من كان فيه ، وأسر ، وأخذ ولد الملك المذكور وأمه ، ونهب ما فيه من العدد والخيول والأثاث ، وعاد عسكر سيف الدين (٢) إلى مخيمه بحمص ، ونور الدين
__________________
(١) فراغ بالأصل ، استدرك من الكامل لابن الأثير : ٩ / ٢١. والعريمة كانت إحدى قلاع الساحل السوري تربض فوق جرف يتاخم السهل العريض الذي يجتازه النهر الكبير ، وتتحكم بمدخل وادي الأبرش. القلاع أيام الحروب الصليبية : ٦٥. وتمت الحملة ضد العريمة بناء على اقتراح من ريموند الثاني صاحب طرابلس نظرا لاحتلال العريمة من قبل أرملة ألفونسو صاحب تولوز وابنه ، وكان هذا الابن حفيدا لريموند صاحب تولوز ولهذا ادعى الحق ليس في ملك العريمة فحسب بل في كونتيه طرابلس. انظر وليم الصوري : ٢ / ١٩٧. وكتاب «الصليبيون في المشرق» تأليف ستيفنسون. ط. بيروت ١٩٦٨ (بالانكليزية) ص : ١٦٤ ـ ١٦٥.
(٢) ذكر سبط ابن الجوزي أثناء حديثه عن حصار دمشق : ٢ / ١٩٧ ـ ١٩٨ : «وكان معين