وشرعوا في قطع الأشجار والتحصين بها ، وهدم الفطائر (١) وباتوا تلك الليلة على هذه الحال ، وقد لحق الناس من الارتياع لهول ما شاهدوه ، والروع بما عاينوه ، ما ضعفت به القلوب ، وحرجت معه الصدور ، وباكروا إليهم في غد ذلك اليوم ، وهو يوم الأحد تاليه ، وزحفوا إليهم ، ووقع الطراد بينهم ، واستظهر المسلمون عليهم ، وأكثروا القتل والجراح فيهم ، وأبلى الأمير معين الدين في حربهم بلاء حسنا ، وظهر من شجاعته وصبره وبسالته ما لم يشاهد في غيره ، بحيث لا يني في ذيادتهم ولا ينثني عن جهادهم ، ولم تزل رحى الحرب دائرة بينهم ، وخيل الكفار محجمة عن الحملة المعروفة لهم ، إلى أن تتهيأ الفرصة لهم إلى أن مالت الشمس إلى الغروب ، وأقبل الليل ، وطلبت النفوس الراحة ، وعاد كل منهم إلى مكانه ، وبات الجند (١٦٢ و) بإزائهم ، وأهل البلد على أسوارهم للحرس والاحتياط ، وهم يشاهدون أعداءهم بالقرب منهم.
وكانت المكاتبات قد نفذت إلى ولاة الأطراف ، بالاستصراخ والاستنجاد ، وجعلت خيل التركمان تتواصل ، ورجالة الأطراف تتابع ، وباكرهم المسلمون ، وقد قويت نفوسهم ، وزال روعهم ، وثبتوا بإزائهم ، وأطلقوا فيهم السهام ، ونبل الجرخ (٢) بحيث تنتع في مخيمهم في راجل ، أو فارس ، أو فرس ، أو جمل.
ووصل في هذا اليوم من ناحية البقاع وغيرها ، رجالة كثيرة من الرماة ، فزادت بهم العدة ، وتضاعفت العدة ، وانفصل كل فريق إلى مستقره هذا اليوم وباكروهم من غده يوم الثلاثاء كالبزاة إلى
__________________
(١) في الأصل «العطاير» وهي تصحيف لعل صوابها ما أثبتنا .. والمرجح أنه قصد بالفطائر جدران «الدك» التي فصلت بين السباتين.
(٢) كانت هذه السهام تطلق من قسي خاصة ، قوية وبعيدة المدى ، وغالبا ما كانت تحمل مواد ملتهبة من النفوط وغير ذلك. انظر مادة جرخ في معجم دوزي : ١ / ١٨٢ ، ونتع الدم خرج من الجرح. القاموس.